السيلفي ثورة اجتماعية وثقافية (ج2)
أفكار على هامش كتاب أنا أوسيلفي إذ أنا موجود لإليزا غودار.
- بقلم أسامة يتوب
سبق وأن تطرقنا في الجزء الأول من هذا المقال إلى أن العلاقات المجتمعية الإنسانية خاضعة بالضرورة لحتمية التغيير، ولقانون التطور، من خلال تحولات جذرية، تمثلت بالأساس في مراهقة الإنسان المرتبطة بمراهقة المجتمع، وفي مستوى ثاني علاقة الشاشة بين الأنا والآخر في قالب تواصلي، ثم ما ينتج عنه من أزمة الاعتراف أو الرغبة في الاعتراف بذواتنا، حتى في مواقع التواصل الاجتماعي.
أما في هذا الجزء سننفذ إلى مستويات تحليلية أخرى لظاهرة السيلفي من خلال فصل ثورة اجتماعية وثقافية من كتاب إليزا غودار "أنا أوسيلفي إذ أنا موجود".
في هذا الجزء الثاني سنتحدث من خلاله لمستويات تحليلية أخرى لظاهرة السيلفي من خلال فصل ثورة اجتماعية وثقافية من كتاب إليزا غودار "أنا أوسيلفي إذ أنا موجود".
1- أزمة الشهرة: من السيلفي إلى تليفزيون الواقع
إن التحولات التي تطرأ على المجتمع الإنساني تؤثر
بشكل كبير على المفاهيم و حمولاتها ودلالاتها. الشهرة لم تعد بمدلولها ومفهومها
السابق، عندما كانت مرتبطة بشخصية عمومية، معروفة على نطاق واسع تثير اهتمام
الجمهور ووسائل الاعلام. وأنها كانت مرتبطة بالتشريفات والاستحقاق، لكن اليوم لم
تعد كذلك، فالعديد من المشهورين لا تدوم شهرتهم سوى فترة قصيرة، في برنامج
تليفزيوني أو مقطع فيديو على فايسبوك أو يويتيوب... اليوم مع مواقع التواصل الاجتماعي
والتقنية أصبحت الشهرة في متناول الجميع، فالسيلفي بالخصوص قادر على توفير الشهرة
الوهمية، يمكن الفرد من عرض نفسه أمام أعين العالم، وبفضل ميزة التقاسم في مواقع
التواصل الاجتماعي، التي تمنح إمكانية تداول الصورة أو مقطع الفيديو إلى ما لا
نهاية؛ لتحقق له الاعتراف المنشود وربع ساعة من المجد الذي يبحت عنه.
ويعتبر يوتيوب من المواقع التي تحقق الشهرة
والثراء السريع والسهل، فمقطع فيدو تافه استمال الجمهور ووسائل الاعلام، قادر على
جعل الانسان مشهورا وغنيا.
مع التقنية وبالأخص مع العالم
الافتراضي، ازددنا انغماسا في مجتمع الفرجة، الذي أصبح رديئا لم نعد نكلف أنفسنا
بصياغة محكية أو كتابة سناريو، كما كان من قبل، أصبحنا الآن نكتفي بتصوير أناس
يمارسون حياتهم، وواعون بأنهم محل تصوير، فيرتجلون وجودهم باستمرار، في الوقت ذاته
تمنعهم الكاميرا من أن يكونوا طبيعين حقيقين نزهاء. تقول إليزا غودار في الصفحة
123 من الكتاب: ”لقد ولدت ما فوق الحداثة ما أسماه السوسيولوجي جان بورديان «ما
فوق الواقع» يتعلق الأمر بعالم لا وجود فيه لتميز بين الكينونة والظاهر، حيث لا
تقوم الصورة المزيفة، بمحاكاة الواقع، إنها تقوم مقامه، لقد أعلنت المحاكاة عن موت
الواقعي الذي لم يعد سوى «تستر» بحيث سيكون من الأحسن الحديث عن تلفزيون ما فوق
الواقع عوض تلفزيون الواقع».
2- عندما تحاكي النخبة العامة
معلوم أن السيلفي يستهوي الجميع، الشخصيات
العامة كما الشخصيات الذاتية، إنه يقربهم
من جمهورهم، فمع السيلفي لم يعد بإمكانهم التعالي، لقد أجبرهم على النزول
من أبراجهم العالية ليحاكوا العامة، في أخد السيلفي، إنه أداة تواصل فعالة
ومجانية، لها تأثير كبير على المتلقي أو المشاهد، فعبر السيلفي نحث الآخرين على
الانخراط في قضية ما، والدفاع عن توجه ما، وتبني أفكار ما... السلفي بكل بساطة أداة
فعالة لتسويق الذات وترويجها، بشكل مجاني وشعبي، ونظرا لتوفر هذه التقنية عند
الجميع، فالسيلفي يساهم في دمقرطة المشهد ودمقرطة النموذج، اللذين لم يعودا حكرا
فقط على الشخصيات العامة.
3- التسويق الذاتي
عبر الزمن وبفعل الثورة الصناعية، تعددت وسائل
الاشهار، من الصحافة المكتوبة والراديو والتلفزيون وغيرهم من الوسائل الاشهارية،
ظهر السيلفي كقوة إشهارية ضاربة، خاصة عندما يستعملها النجوم، يدر السلفي أرباحا
مهمة على مستعمله و المستعمل لأجله، إنه نشاط تجاري مربح. تكمن قوتة الضاربة في
خلق البوز في ثواني معدودة، إنه ينتج صورة عابرة للقارات، السلفي سلاح جديد
للدعاية، لكن لا يمكن فصله عن الفضاء الافتراضي، الذي جاء كإمتداد للفضاء العمومي،
الفضاء المشترك، المحدود زمانا ومكانا، ليصبح شاملا للمجتمع الإنساني بشكل عام.
خلاصة
إن التقنية بشتى أشكالها فرضت على الإنسانية
جمعاء تغير نمط حياتها، وإعادة النظر في أفكارها وقناعاتها، أجبرتنا التقنية ومجال
اشتغالها العالم الافتراضي على إعادة طرح أسئلة فلسفية وجودية هوياتية، وغيرت
علاقاتنا مع ذواتنا ومع الآخرين ومع محيطنا بشكل عام، وقلبت معاير نيل الاعتراف
وتحقيق الذات. وأصبح الإنسان والمجتمع في تغير دائم مستمر، مرتبط بتطور التقنية
وفضائها الافتراضي.
0 التعليقات :
إرسال تعليق