‏إظهار الرسائل ذات التسميات حبر وقلم. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات حبر وقلم. إظهار كافة الرسائل
السبت، 5 نوفمبر 2022

المرنيسي وتقويض التصور الثابت عن المرأة

 

المرنيسي وتقويض التصور الثابت عن المرأة من خلال كتاب هل أنتم محصنون ضد الحريم؟


عملت فاطمة المرنيسي في كتاباتها على تقويض التصور الثابت عن المرأة في الثقافة الذكوريّة مثل: المرأة الشيء، والمرأة الدونيّة، والمرأة المثال، والمرأة الرمز... 


لصالح بناء نموذج المرأة الإنسان واعتمدت تفكيك مفهوم الحريم في الثقافة السائدة وتعرية الجانب المستتر والمخفي مما كان يجري في أروقة قصور هارون الرشيد وردهات سرايا السلطان عبد الحميد ورؤية المستشرقين.


حاولت المرنيسي تفكيك الأنماط الاجتماعية التقليدية من خلال التناول المباشر للنصوص الإسلامية، أو من خلال نقد الأدبيات الفقهية ذات الدور الحاسم في إنتاج القوانين الوضعية والتي تكرس الأطر الاجتماعية لوضعية المرأة العربية المسلمة . ورأت فجوة بين النص الديني - كإطار متقدم لحرية المرأة - ودور المرأة في بداية التاريخ الإسلامي بالتعامل مع الجنس وتوزيع السلطة في الفضاء الاجتماعي، وبين الواقع التاريخي الذي اتخذ منحى تراجعياً تقييدياً في عصور ما بعد النبوة، أدّى إلى أن تبقى صورُ المرأة النمطيّة السلبيّة متجذّرةً في الوعي الذكوريّ.


في بداية التسعينيّات تخلّت المرنيسي عن النسويّة لتكرّس نفسَها في نشاطين أساسيين: كتابة الرواية، وتدعيم المجتمع المدنيّ في المغرب.


للكشف عن سيطرة التصوّر الذكوريّ في المنظور الثقافيّ والدينيّ والاجتماعيّ، وتغييب حضور المرأة وحقوقها اعتمدت المرنيسي "الكتابة المتحوّلة" كوسيلةً تعبيريّة لا تراعي الايقاع التاريخي الخطي الذي يضبط سير الوعي أو تطور اللغة بل تعاقب للقطائع و الانشقاقات و التصدعات والاختلافات.


تجمع المرنيسي في شخصيتها ومسيرتها الأدبية والعلمية والعملية جوانب من الرائدة النسوية جوليا كريستيفا، والتي قدّمتْ سنة 1986 دراسة عن النقد الأدبيّ النسويّ أوضحتْ فيها ضرورة المساواة بين المرأة والرجل في الصور والشفرات والعلامات والدلالات التي تتجلّى في الآداب والفنون، وفي غيرِها من النظم التي تصوغ العقول ووجهاتِ النظر، وتصوغ من ثم السلوكَ تجاه الآخر في المجتمع.


كما تشبه في بعض أطروحاتها الاجتماعيّة والإبداعيّة، فرجينيا وولف، التي اتّهمت العالمَ الغربيّ بأنه مجتمعٌ أبويّ منع المرأةَ من تحقيق طموحاتها الفنيّة والأدبيّة، إضافةً إلى حرمانها اقتصاديًّا.


وهي تشبه سيمون دو بوفوار، التي تزعّمت الحركة النسائيّة حينما أصرّت على أنّ تعريف المرأة ينبع دائمًا من ارتباطها بالرجل، فتصبح "آخرَ" (موضوعًا) يتّسم بالسلبيّة، بينما يكون الرجلُ ذاتًا سِمَتًها الهيمنةُ والرفعةُ والأهميّة.


كتاب هل أنتم محصنون ضد الحريم؟


في كتاب هل أنتم محصنون ضد الحريم؟ توجه فاطمة المرنيسي نقدها إلى وضعية المرأة في المجتمع الغربي وتشير إلى واقع الاستلاب والعبودية المقنعة التي يسوّق لها إعلامياً وينظر إلى المرأة بوصفها دمية أو عارضة أزياء. 


تحاول من خلال هذا الكتاب إبراز التصورات التي رسمتها وكرستها المخيلة الغربية لنساء الشرق، وأصبحت نسقًا سيطر على كافة الأعمال الأدبيّة والفنيّة على اختلافها؛ كالرسم والباليه والسينما، انطلاقاً من مصطلح الحريم وصورته الذهنية كمكان متخيّل، مليء بالإثارة والسّحر والرغبات الدفينة، التي تصور المرأة كمحظية مستسلمة Odalisque وهو ما نراه في أعمال جان دومنييك آنجر ودولاكروا وصولاً إلى هنري ماتيس وبابلو بيكاسو وهو ما جعل الغربي يقع أثيرًا لهذا السّحر، ويسعى خلف أسطورة الشرق الغامض الشبق الغير عاقل الكسول الذي يستحق أن يُستعمَّر وأن يُضبَّط و توصّلتْ المرنيسي إلى مجموعة من الأفكار المتميّزة، منها:


- توضيحَ مفهوم الحريم، وتصحيحَ التأويل الخاطئ له.


- أنّ الارتباط العضويّ بين الغزو العسكريّ وعبوديّة النساء شكّل ثابتًا بالنسبة إلى كلّ ثقافات الحريم: اليونانيّة، والرومانيّة، والإسلاميّة ـ التركيّة.


- لم يرتبط الحريمُ بمجيء الإسلام، بل تأتّى مع ثقافات سابقة عنه، كالمنظومة الاجتماعيّة الرومانيّة واليونانيّة.


- استمرار الحلم بالحريم يسيطر على الإنسان الغربيّ كذلك، رغم ثوراته الاجتماعيّة الكبيرة. لكن واقعه السوسيوثقافي يحُول بقوة بينه وبين انعكاس هذا الهوس واقعيا فيستعيده عبر الفن ولكن ما هو مفهوم الحريم؟


فتسمية الحريم مشتقة من الحَرام والحُرم وهو مفهوم مكاني جوهره وجود الإماء المتفرغات لمتعة السيد الجنسية ينقسم فيه الفضاء الاجتماعي إلى قسمين منفصلين: داخلي أنثوي شديد الاختباء والخصوصية محرّم على الرجال ماعدا السيد الأوحد، وخارجي محرّم على النساء ومفتوح للرجال فقط.


وهذا التقسيم موجود في كل الحضارات التي بنت ثروتها على الاسترقاق عبر الفتوحات العسكرية واغتصاب أملاك الجيران، والنساء جزء منها، ويختلف شكل نظام الحريم حسب الفترة التاريخية والشعوب فالنساء عند اليونان -قبل الإسلام بأحد عشر قرنا- كُنّ لا يُفارقن الخِدر ويحرسهن الخصيان وابن الأَمَة من السيد يظل عبداً، وأضاف الرومان على تلك التقاليد فقط السماح للنساء بمرافقة رجالهن إلى الحفلات العامة...


بينما كان الأمويون يحررون أولاد الإماء دون أن يسمحوا باستخلافهم، ومنح العباسيون أبناء الخليفة الذكور الفرص المتكافئة في اعتلاء عرش الخلافة مهما كان وضع أمهاتهم ونشأت من ذلك حضارة إسلامية عالمية من شعوب مختلفة ومتنافسة، خسر العرب فيها السيطرة الثقافية لصالح الفرس والسيطرة العسكرية لصالح الأتراك ... وأقاموا حريمهم الخاص محاكاة لما كان موجودا في بيزنطة التي تحولت الى إسطنبول (نور الإسلام) وأصبح الشرق عنصرا بارزا في الحضارة الأوربية.


يعتبر الموقف من الجنس أحد الخلافات الأساسية بين الإسلام والمسيحية، وهو أحد مفاتيح اللغز الذي يفسر انبهار الغرب بالحريم، فأحد الامتيازات العظيمة للمسلم "هي حقه في المتعة" بينما تحض المسيحية "على تفادي اللذة حتى في إطار الزواج" ورغم ذلك لا أحد من الرجال في ضفتي المتوسط ينجو من الإصابة بفيروس الحريم أي "رغبة الرجل في شريكة سلبية دائمة الخضوع والصمت"، "تخدمه كجارية " وأعراضه الاستيهام أي الحلم بالحريم وهو ليس فتاكا جسديا كالسيدا ولكنه يحرم المصاب به من السعادة، يجبر الغربيون المصابون به "على الارتحال إلى الشرق للاستمتاع لأن المسيحية تحرم عليهم المتعة" "ويرتحل الشرقيون المصابون به إلى ماضيهم طوعاً للتماهي مع هارون الرشيد" الذي جمع في شخصه مثلث "السلطة والثروة والمتعة". 


رسم فنانو الغرب المحظيات لأن ما ألهب مخيلتهم حريم السلاطين العثمانيين الذين بسطوا سيطرتهم على قسم كبير من أوروبا وأرهبوا عواصمها حتى أوائل القرن العشرين وليس حريم الخليفة هارون الرشيد وكان هذا الاستيهام -لدى الغربيين- يشبع الرغبة بالانعتاق من قيود الزواج الأحادي المسيحي بمحرماته الجنسية ومشاكله العاطفية كما تجلّى في لوحة «المحظية الكبرى» 1814 للفنان الفرنسي «جان دومينيك آنجر»، ثم لوحته الأكثر شهرة «الحمّام التركي» 1863 التي تصور حشدا هائلا من النساء العاريات، كقطيع بسوق النّخاسة ينتظرن أن يقدَّمن المتعة للسيد الذكر، وقد وصفت اللوحة بأنّها «تمجيد للجسد الأنثوي الطاغي الحضور».


تشكل اللوحة - حسب المرنيسي - انتهاكا صارخا لنظام الحريم الشرقي التي تبرز فيه المرأة في العصر العباسي مثلا "كمخطِّطة قوية الشكيمة تسعى لانتزاع السلطة من الأسياد، وتبلغ في فن المكيدة مبلغًا لا تزال تعجب له النساء العصريات اللواتي يواجهن صعوبة في اقتحام حصون السلطة السياسية" ومناقض لدور المرأة عند الأتراك الذين هم نسويين أكثر من العرب و"كانت أمهات الملوك الذين لم يبلغوا سن الخلافة يتسلمن الوصاية على العرش وزوجات الملوك يتسلمن مقاليد الحكم حتى انتخاب خان جديد".

الأربعاء، 21 سبتمبر 2022

"نصفي الثاني" قصيدة شعرية بقلم نهيلة لعبيدي


 قصيدة شعرية عن الأم بعنوان 

" نصفي الثاني" 

بقلم: نهيلة لعبيدي

يا من في هواها القلب انتشى            

             وفي مدحها دين لك لسان

****

 يا من توطن بالفؤاد حبها            

              فأزهر من نعيم الجنان

****

أحبك والحب من دونك             

             عيش أسود بلون داكن

****

أحن إليك في كل وقت وحين             

             وكل وقت بقربك. سريع فاني

*"""

رؤيتك الحياة بالعالم كله            

            ومن دونك الهم في ظلام ساكني 

****

 حنانك منبع يتدفق بين الورى           

              يروي كل راغب او ظمآن

****

 انت شجرة استظل بظلها           

             كعصفور اتنقل بين غصن وغصن

****

أنت من علمتني أنا النجاح            

             خطوة، والمستحيل من الممكن

****

أهيم بعشقك وعشقك في            

             القلب بحر من كرم وإحسان

****

تفي دينك لغة                       

             نظمت فيك من قصائد حسان

****

وهل تفي الكلمات والسطور            

            من أنارت بنورها ظلمة الأكوان؟!

****

جودك العميم كالنسيم فواح            

             بلسم لكل شاك من حرمان

****

يا ظلي الظليل أنت الفؤاد            

              في غيابك يصير محترقا بنيران

****

يا أمي أنت شمس دائمة              

            الشروق كاشفة الهموم والأحزان

****

احبك وحبك لي قلادة            

            من ياقوت و مرجان

الأحد، 18 سبتمبر 2022

قراءة في "ذاكرة للنسيان" للكاتب محمود درويش- بقلم ذ.خالد اليعقوبي

 

قراءة في كتاب "ذاكرة للنسيان" للكاتب الفلسطيني محمود درويش

بقلم ذ.خالد اليعقوبي

  يقال أن عتبة النص عنوانه منه يتلمس القارئ معالم النص،  ويستقصي مطالع الحكاية، ولكن ما الذي يمكن أن يبوح به عنوان كـ"ذاكرة للنسيان"؟ عبارة تحمل الشيء وضده في تهشيم صارخ لبديهيات المنطق،  كيف ننسى ما ندونه ونعقله ونتذكره؟  بل ما الذي يجبرنا على تخليد ما ينبغي نسيانه وطمسه؟ أليست الذاكرة حنين واسترجاع للفصل الأجمل في الحكاية، فكيف تولد الذاكرة من جرح؟

 

ذاكرة للنسيان نص عبثي مجنون متمرد يرفض حتى التصنيف والتجنيس هل هو رواية أم سيرة أو مذكرة، أو خواطر؟ هل هو أساسا كتاب نثر أو شعر؟ كلما ضيقت عليه الخناق لتحجزه كالأرنب في إحدى القبعات الأدبية نط إلى غيرها، تراه تارة مذكرة ليوم من أيام محمود درويش تحت حصار بيروت يسرد هول اللحظة ومآسيها، وتارة رحلة سردية في تفاصيل الجرح الفلسطيني، وأحيانا يقفز إلى التراث العربي ليفصل في مرادفات الماء، وحينا يصير مؤرخا مع ابن الأثير ليسرد تفاصيل الخلق، وقد يغادر بيروت المحاصرة من كل الجهات برا وبحرا وجوا إلى يافا لملاقاة حبيبته اليهودية ريتا، وأحيانا يتحول النص إلى قصيدة وهو يصرخ:

أشلاؤنا أسماؤنا...لا...لا مفر

سقط القناع عن القناع عن القناع

لا إخوة لك يا أخي لا أصدقاء 

لا القلاع 

لا الماء عندك ولا الدواء، ولا السماء ولا الدماء ولا الشراع..

        شاعرية تخترق حتى المنثور من الكلام، بلغة جميلة  تخطف انتباه القارئ من أول الكتاب إلى منتهاه. فما هذا الجنون الذي يطوق هذا النص من عنوانه وجنسيته ويخترقه من الدفة إلى الدفة؟ 

        إذا كانت عتبة النص عنوانه  فإن النص هو بيئته وسياق إنتاجه فما الذي يميز لحظة تكون هذه الذاكرة التي أرادها محمود للنسيان، فصارت واقعا يتجول بين المدن والعواصم العربية.


        ذاكرة للنسان كتاب صدر للشاعر الفلسطيني محمود درويش سنة 1987، لكنه يتحدث عن حصار الاحتلال الصهيوني لبيروت مابين 1980-82، وبذلك يفتح صفحة من الصفحات الأكثر دموية  في تاريخ بيروت ولبنان المعاصر، حرب لبنان، امتدت ما بين 1975-90 خمسة عشر عاما من الاقتتال الداخلي، حرب طائفية وسياسية، نخرت جسد لبنان، وكانت حينها منظمة التحرير الفلسطينية  في لبنان بزعامة أبو عمار ياسر عرفات في لبنان جزء من هذا الصراع. 

        انقسم الفاعلون السياسيون في بيروت  بين داعم لمنظمة التحرير الفلسطينية ويتقدمهم الحزب الشيوعي اللبناني، وبين رافض لتواجدها في لبنان من زاوية قومية ضيقة يمثلها حزب الكتائب المكون من عناصر مسيحية يقودها بشير الجميل والمدعومة إسرائيليا وكانت وراء مذابح السبت الأسود، ومجزرة الكرنتينا، ومجزرة مخيم تل الزعتر راح ضحيتها زهاء 3000 فلسطيني، ثم اقتحام مخيمي  شاتيلا وصبرا في 16 سبتمبر 1982 في مشهد  دموي مرعب استمر ثلاث أيام سفكت فيها دماء أزيد من 3500 فلسطيني من الأطفال والنساء والشيوخ، بعدما انسحبت قوات منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان. 

 

وجد الفلسطينيون أنفسهم في لبنان كالأيتام في مأدبة اللئام، فقدوا وطنهم وهاجروا من معظم العواصم العربية،  حتى بيروت التي حضنتهم ردحا من الزمن هوت بهم كنجمة من السماء،  لما حاصرتها قوات الاحتلال الصهيوني في يونيو 1982، واحتلت جنوب لبنان وتعرضت بيروت الغربية  -معقل الفصائل الفلسطينية- لقصف همجي بربري، حوصرت المدينة برا وجوا وبحرا، إلى أن سويت معظمها بالأرض، خلف هذا الدمار الهائل 30 ألف قتيل، وآلاف الجرحى والنازحين، حصيلة كارثية أجبرت المنظمة الفلسطينية على مغادرة بيروت إلى تونس، بينما وزع مقاتلوها على باقي الدول العربية.

 

        جنون هذا النص من جنون لحظة تشكله لقد عاين درويش في بيروت كل أشكال القتل، قتل العدو الصهيوني في يوم من أيام هيروشيما استعملت فيه أحدث الأسلحة والقنابل كالقنبلة الفراغية التي تنفجر وتمتص الأوكسجين من أجساد الضحايا وتتركه فارغا، وقتل ذوي القربى وصمت هذا العالم الأخرق.

        فرض هذا المشهد المهيب على درويش الارتقاء بقصيدته لمعانقة الوجع الفلسطيني رغم اعترافه غير ما مرة أنه:

ليس في وسع القصيدة 

أن تغير ماضيا يمضي ولا يمضي

ولا أن توقف الزلزال

ورغم تحذيره من كتابة التاريخ شعرا، لأن السلاح هو المؤرخ. 

        فأنتجت التجربة اللبنانية أربع ملاحم كبرى عن مأساة اللاجئ الفلسطيني هي: أحمد العربي، ملهاة النرجس، مأساة فضة، قصيدة بيروت ومديح الظل العالي، وهذا النص النثري ذاكرة للنسيان. كلها تغنت بوحدة الفلسطيني وخذلانه، بغربته وعزلته، بآلامه ووجعه، ببطولته وانكساره...

        لقد اختبر الفلسطيني الاحتلال والتهجير والقتل والسلب والاعتقال والمنفى في فلسطين وخارجها منذ النكبة، ولكنه في بيروت اختبر ألم الوحدة والعزلة وسط دعاية الأنظمة العربية الالتزام بالحق الفلسطيني  وهرولتها للتطبيع في الخفاء والعلن فكتب في ص 195 من ذاكرة للنسيان:

"لا أحب أحدا ولا أكره أحدا ولا أريد أحدا ولا أحس بشيء. لا ماض ولا مستقبل، لا جذوز ولا فروع، وحيد كتلك الشجرة المهجورة في العاصفة الكبرى على سهل مفتوح".

        وفي قصيدة مديح الظل العالي صرخ بأعلى صوته في حضرة قادة منظمة التحرير الفلسطينية يتقدمهم الزعيم أبو عمار ياسر عرفات.

وحدي أدافع عن هواء ليس لي 

وحدي على سطح المدينة واقف

أيوب مات، وماتت العنقاء وانصرف الصحابة.

وحدي أراود نفسي الثكلى فتأبى أن تساعدني على نفسي 

ووحدي...كنت وحدي

عندما قاومت وحدي...وحدة الروح الأخيرة.

وفي مقطع آخر من ذات القصيدة يتغنى بوحدته ويحذر من استغلال الحاكم العربي لقضيته فيقول:

كم كنت وحدك، يا ابن أمي 

ياابن أكثر من أب كم كنت وحدك...

لا بر إلا ساعداك 

فتقمص الأشياء كي تتقمص الأشياء خطوتك الحراما

واسحب ظلالك من بلاط الحاكم العربي حتي لا يعبقها وساما.

        تكررت مأساة الخذلان في شعر درويش خلال التجربة اللبنانية رغم أن الشارع العربي من الخليج إلى المحيط أنشد معه في ملحمة أحمد الزعتر :

"مضت الغيوم وشردتني 

ورمت معاطفها الجبال وخبأتني 

نازلا من نحلة الجرح القديم إلى تفاصيل البلاد 

وكانت السنة انفصال البحر عن مدن الرماد

وكنت وحدي 

ثم وحدي 

أه ووحدي."

        لقد تكرر خطاب الوحدة إلى حد جعلني أعتقد أن درويش أراد نسيان كل شيء من التجربة اللبنانية إلا أنه وحيد، وأراد للفلسطيني أن يشق سبيل حريته وحده "فلا إخوة لك يا أخي ولا أصدقاء".

        في ذاكرة للنسيان وجع الوحدة والخذلان يرافقه دوما كابوس الموت والقتل، كأنهما وجهان لعملة واحدة، لقد ترك الفلسطيني أعزلا أمام نكبته، وعندما حاول الهرب تعقبه الموت  في كل المدن والعواصم، وها هو يدركه  في بيروت  في أشد صوره قبحا ووحشية. يستطيع القارئ أن يشم رائحة الموت، رائحة الجثث تتعفن تحت الأنقاض في مشهد سوريالي يصف الموت وما بعد الموت يقول درويش:    

"دود يأتي من المجهول، ومن التراب، ومن الجثة ذاتها، الجثة تأكل نفسها بجيش حسن التنظيم يطلع منها في لحظات. إنها صورة تفرغ الإنسان من بطولته ومن لحمه، وتدفع به في عراء المصير العبثي، في العبث المطلق، في العدم الكامل، صورة تجرد الأناشيد من مديح الموت ومن الفرار إلى الفرار. أمن أجل التغلب على بشاعة هذه الحقيقة فتح الخيال البشري فضاء لخلاص الروح من هذا العدم؟ أهذا ما يقترحه الدين والشعر من حل؟".

        تكسرت كل القيم والشعارات الإنسانية الرنانة أمام هذا الواقع المأساوي، انكسار أخلاقي جديد للضمير الإنساني وهو يتابع بصمت، "كل ما تمخض عنه الخيال البشري من إبداعات الشر الخارقة، وما بلغته التكنولوجيا من تقدم يجري امتحان فاعليته في جسد اللاجئ الفلسطيني." نفي من المنفى، ومصادرة للوجود، تعب الفلسطيني من الفرار إلى الفرار، ضاقت به الأرض تحت سماء بيروت كما لفظته كل العواصم العربية سلفا. تلك محنة الفلسطيني الأبدية نص طراودي يقاوم الاندثار وغلبة الزمن ليعبر في الحكاية، وطنا وشعبا.

 

        ذاكرة درويش كانت شاهد عيان عن لحظة مؤلمة من لحظات الجرح الفلسطيني سردها بكل تفاصيلها الحزينة في قصيدة انتقيت كلماتها وأسطرها من شوارع بيروت، ونظمت على وزن بحر ليلها الطويل. قصيدة أرادها للنسيان فصارت أنشودة نثرت في عدة مدن عربية، من بيروت إلى بغداد، طرابلس، دمشق وحلب حمص وحماة وعدن وصنعاء وتعز... كأنها هويتنا إلى الأبد.

الثلاثاء، 14 يونيو 2022

Le genre narratif (quelques notions d’analyse)


Le genre narratif (Quelques notions d’analyse)

Écrit par Sara TARCHI


    La séquence narrative est un élément au service de la cohérence textuelle à l'intérieur d'un récit. En effet, tout récit repose sur le développement d'une intrigue qui est l'enchaînement logique des événements menant au dénouement. Afin d’analyser ce genre de texte, on a besoin d’utiliser plusieurs notions proposées par des théoriciens de la littérature.

    

    Avant de présenter des notions d’analyse du discours narratif,  il faut d’abord faire la distinction entre ces trois aspects de la réalité narrative (histoire, récit et narration) afin d’éviter toute confusion et tout embarras de langage. Pour cela, Gérard Genette propose de nommer Histoire le signifié ou contenu narratif c’est- à- dire les événements que le discours relate, Récit le signifiant, énoncé, discours ou texte narratif lui- même et Narration l’acte narratif producteur c’est- à- dire l’acte qui produit le discours réellement ou fictivement. 


    Genette donne la primauté au récit, au discours narratif puisque pour lui, de ces trois niveaux distingués, le récit « est le seul qui offre directement à l’analyse textuelle. » Pour Genette «  Histoire et narration n’existent…que par le truchement du récit. Mais réciproquement le récit, le discours narratif ne peut être tel qu'en tant qu'il raconte une histoire, faute de quoi il ne serait pas narratif…, et en tant qu'il est proféré par quelqu'un, faute de quoi il ne serait pas en lui- même un discours. Comme narratif, il vit de son rapport à l'histoire qu'il raconte; comme discours, il vit de son rapport à la narration qui le profère».

1. L’ordre de la narration :

- Anachronie narrative :

    Le plus souvent, le narrateur raconte les événements dans l’ordre où ils se sont produits; cependant, l’écrivain peut décider de bouleverser la chronologie des événements par des ruptures temporelles, on parle alors d’anachronie.

    Il peut faire des retours en arrière (dans le passé) ou bien anticiper les événements (dans le futur).


    Selon Genette « étudier l’ordre temporel d’un récit, c’est confronter l’ordre de disposition des événements ou segments temporels dans le discours narratif à l’ordre de succession de ces mêmes événements ou segments temporels dans l’histoire, en tant qu’il est explicitement indiqué par le récit lui- même, ou qu'on peut l'inférer de tel ou tel indice indirect… Lorsqu’un segment narratif commence par une indication telle « trois mois plus tôt,… », il faut tenir compte que cette scène vient après dans le récit, et qu’elle est censée être venue avant dans la diégèse».


    Cela veut dire que dans  la notion d’ordre, on met face à face, on confronte l’ordre des événements tels qu’ils sont dans le discours ou texte narratif à l’ordre de succession des mêmes événements dans l’histoire.


    Dans l’exemple mentionné ci- dessus « trois mois plus tôt,… » L’auteur propose un récit second, cette scène dans le récit vient après le récit premier mais dans l’histoire elle est passée avant, c’est ce qu’on appelle anachronie, à chaque fois qu’on a un récit premier, que celui- ci s’arrête par un récit second introduit par un segment narratif qui n’appartient pas au même niveau temporel, on a une anachronie. Cette notion d’anachronie nous permet d’introduire deux autres notions qui lui sont reliées : la notion de Portée et celle d’Amplitude.

- Portée, amplitude :

    Selon Genette « une anachronie peut se porter dans le passé ou dans l’avenir, plus ou moins loin du moment présent, c’est- à- dire du moment de l’histoire où le récit est interrompu pour lui faire place : nous appellerons portée de l’anachronie cette distance temporelle. Elle peut aussi couvrir elle- même une durée d’histoire plus ou moins longue : c’est ce que nous appellerons son amplitude. »

    Par exemple : on a un retour en arrière de dix ans, donc on a une anachronie temporelle dont la portée est dix années où on va raconter ce qui s’est passé un soir, c’est ce qu’on appelle amplitude, c’est- à- dire ce récit raconté sur combien de minutes, heures, mois ou années s’est étendu.


    Ou bien, imaginons  un récit qui commence de la manière suivante : Mr x marche dans la rue en utilisant sa canne de non- voyant ensuite le narrateur va nous  évoquer les circonstances dans lesquelles Mr x a perdu la vue (là le récit  premier s’arrête et un récit second intervient) c’était à cause d’un coup qu’il a reçu sur sa tête, le narrateur fait un retour en arrière de 15 ans c’est- à- dire que Mr x a perdu la vue il y 15 ans par rapport au moment présent où il marche dans la rue en utilisant sa canne. Cette analepse a une portée de 15 années et une amplitude de quelques heures (les circonstances dans lesquelles Mr x a perdu la vue se sont étendues quelques heures).


   - Analepse et Prolepse :

    Un récit qui revient en arrière est appelé récit rétrospectif. La rétrospection est aussi appelée analepse. Cette dernière est une anachronie qui se porte dans le passé plus ou moins loin du moment présent, elle opère un retour en arrière et évoque un événement antérieur à ce qu’on est en train de raconter, par exemple lorsqu’un personnage se souvient de son passé. Les retours en arrière servent souvent à expliquer la situation présente ou à présenter un personnage nouveau.

    Une phrase (voire un passage) qui annonce les événements futurs se nomme une anticipation aussi appelée prolepse. 


    La prolepse est une anachronie qui se porte dans le futur plus ou moins loin du moment présent, elle opère une anticipation et évoque un événement devant se produire après ce qu’on est en train de raconter. Dans un récit ayant pour temps de référence le passé, les anticipations se font souvent au conditionnel (avec une valeur de futur dans le passé).


    Avec une anticipation, le narrateur joue avec le lecteur : il relance son attente et suscite sa curiosité. L’anticipation sert à relancer l’intérêt pour l’intrigue.


Exemple :

    Deux années plus tard, je devais comprendre la signification de l’événement...

    L’auteur cherche par l’utilisation des anachronies de compléter les informations du lecteur, pour qu’il puisse suivre la lecture de la manière exacte possible, afin que celui- ci soit au fait de tout ce qui s’est passé avant pour qu’il comprenne ce qui va se passer ensuite. Cette fonction d’informer le lecteur, on la retrouve généralement chez les auteurs qu’on appelle traditionnels qui n’utilisent cette anachronie que lorsqu’ils estiment nécessaire de donner des informations au lecteur qui vont lui permettre de continuer sa lecture.  


 2. La durée : La vitesse du récit :

    Dans la notion de la Durée, on confronte  la durée d’un récit à celle de l’histoire qu’il relate.  La durée des événements de l’histoire n’est pas égale à celle du récit : l’auteur peut ralentir ou accélérer le rythme du récit.


    Pour Genette la vitesse du récit est « le rapport entre une mesure temporelle et une mesure spatiale… : la vitesse du récit se définira par le rapport entre une durée, celle de l’histoire, mesurée en secondes, minutes, heures, jours, mois et années, et une longueur : celle du texte, mesurée en lignes et en pages».


    A l’intérieur d’un récit les segments narratifs n’ont pas la même vitesse, l’auteur peut choisir de parler d’un événement qui a duré une heure en 100 pages, et un autre qui a duré une année en une ligne, ou un récit de 600 pages pour  18 mois dont on a 300 pages consacrées à une journée… Certains événements avancent vite, d’autres lentement.


    Le narrateur donc utilise des procédés d’accélération ou de ralentissement. Autrement dit, rapporter en détail des événements précis, ou résumer brièvement d’autres, voire passer certains sous silence. Voilà comment :


- La scène :

    Dans la scène, le narrateur développe un temps fort de l’histoire, raconte en détail l’action qui se déroule. Il fait parler les personnages, décrit le décor, l’ambiance. La scène permet de ralentir le rythme du récit. L’auteur donne l’illusion au lecteur que le temps du récit reproduit fidèlement le temps de l’histoire, comme dans une scène de théâtre ou un film. 

Exemple : Le serveur s’approcha de nous. « Qu’est- ce que vous prendrez?» demanda- t- il. Roger leva les yeux et répondit : « Un triple expresso. » Le serveur esquissa un sourire. « Je vous le mets dans un bol?» 


- L’ellipse :

    Le narrateur passe sous silence certains faits qui ne sont pas essentiels pour le déroulement de l’intrigue. Il évite ainsi les passages ennuyeux et les périodes trop longues.

Exemple : Il naquit à Paris et devint médecin à Rouen. (Le narrateur n’a pas évoqué ce qui s’est passé entre le moment où le personnage est né à Paris et le moment où il est devenu médecin, vingt- cinq ans ou trente ans dont le narrateur ne dit rien, on ne sait pas qu’est ce qui s’est passé pendant ces années).


- Le sommaire :

    Le sommaire est le contraire de la scène : il s’agit d’accélérer le rythme du récit en résumant les événements de l’histoire (en général des actions secondaires). On peut ainsi raconter en quelques mots une action qui s’est déroulée sur des années.

Exemple : Il a vécu dix ans à Paris. (Le narrateur a raconté dix ans de la vie d’une personne en une seule phrase.)

Exemple 2 : Durant ces dix années, il voyagea beaucoup, traversa des mers, et se fit attaquer par un ours. (Le narrateur résume dix ans en un petit paragraphe).


- La pause :

     Le narrateur cesse de raconter son histoire (rien ne se passe, on n’a pas d’actions) pour faire une description ou un commentaire. 

Exemple : La voiture noire me transporta ici, dans ce hideux Bicêtre. Vu de loin, cet édifice a quelque majesté. Il se déroule à l’horizon, au front d’une colline, et à distance garde quelque chose de son ancienne splendeur, un air de château de roi. Mais à mesure que vous approchez, le palais devient masure. Les pignons dégradés blessent l’œil. Je ne sais quoi de honteux et d’appauvri salit ces royales façades, on dirait que les murs ont une lèpre. Plus de vitres, plus de glaces aux fenêtres ; mais de massifs barreaux de fer entrecroisés, auxquels se colle çà et là quelque hâve figure d’un galérien ou d’un fou. 

                                                               

(Le dernier jour d’un condamné ; chapitre IV)

Bibliographie : GENETTE, Gérard. Figure III, Paris, Seuil.

الاثنين، 16 مايو 2022

Barthes Roland, L'aventure sémiologique "Le message publicitaire" : commentaire

 

Barthes Roland, L'aventure sémiologique "Le message publicitaire" : commentaire

Écrit par Sara TARCHI
Commentaire sur ce chapitre "Le message publicitaire" de Barthes.

Selon Barthes, toute publicité est un message. Elle comporte une source d'émission qui est la firme à qui appartient le produit lancé et vanté, un point de réception qui est le public et un canal de transmission.


Tout message est la réunion d'un plan d'expression (signifiant = substance graphique ou phonique d'un mot) et un plan du contenu (signifié = l'idée, le sens du mot).


Le message publicitaire contient deux messages, le premier est constitué par la phrase dans sa littéralité (le sens propre des mots, sans réthorique), afin de découvrir le premier message, il suffit d'oublier tout ce que nous savons de la réthorique, la publicité et le commerce. Prenons l'exemple de l'affiche publicitaire ci-dessus, nous tiendrons pour un ordre littéral que le fait de se mettre à faire de la cuisine et pour une assurance indiscutable que la cuisine faite aura pour résultat une matière apparentée au métal appelé l'or. 


Le fait d'ignorer tout sur la réthorique, les métaphores de la langue française et la publicité, n'a pas empêché de recevoir un message, car celui-ci contient un signifiant (Sa) qui est la substance graphique ou phonique des mots, et un signifié ( Sé) c'est le sens littéral de la phrase. Ce premier message est appelé le message de dénotation. 


Le second message est un message global, qui tient sa globalité du caractère singulier de son (Sé), ce (Sé) est toujours le même dans toutes les publicités, il est unique "c'est l'excellence du produit annoncé", car il est certain que, quoi que l'on me dise littéralement d'Astra, on ne m'en dit finalement qu'une chose à savoir qu'Astra est la meilleure des graisses.


Ce signifié (Sé) est le font du message, il épuise entièrement l'intention de communication de la publicité, le but est atteint des l'instant où ce (Sé) est perçu.


Quant au (Sa) du du second message (dont le signifié est l'excellence du produit), il est le premier message dans son entier ( réthorique, métaphores, coupes de phrases...). Donc le premier message est le signifiant du second. Ce second message est appelé le message connotatif. 


Pour Barthes, le second message n'est pas caché sous le premier, c'est tout à fait le contraire, ce que nous percevons nous qui savons ( la réthorique, le commerce, la publicité),  c'est le caractère publicitaire du message, c'est le message connoté, c'est-à-dire l'excellence du produit et la banale invitation "achetez!". 


Alors, pourquoi ne pas dire tout simplement "achetez Astra !", sans double message? Quel est le rôle du premier message, le message dénoté? 


On peut dire que le premier message ( dénotation) sert à développer des arguments afin de persuader le public à acheter, et je souligne ici que Barthes a utilisé le verbe "persuader" et non pas "convaincre"; ce dernier verbe fait appel à des arguments en sollicitant la raison, tandis que "persuader" sollicite les sentiments. La publicité est faite pour nous ramener à une appréciation subjective, elle vend du rêve, joue sur nos sentiments, elle ne fait pas appel à nos réflexions logiques, mais à nos sentiments afin de nous pousser à la consommation. 


Le premier message sert aussi à naturaliser le second, il cherche à créer un monde où il est naturel d'acheter Astra. 


Pour Barthes, toute publicité est sa connotation, mais elle raconte d'autre chose, c'est sa dénotation.

السبت، 12 فبراير 2022

تساؤلات على هامش المرأة والوردة لمحمد زفزاف - فاطمة الزهراء المناني



 تساؤلات على هامش المرأة والوردة لمحمد زفزاف

بقلم: فاطمة الزهراء المناني

    بادئ ذي بدء أشير إلى أن هذا العمل السردي ينتمي إلى المدرسة الواقعية في الأدب؛ الشيء الذي نستشفه من الوهلة الأولى إذ يحتج الراوي عن غياب العدالة الاجتماعية حينما يقول "تسيرنا أقلية من المغامرين وبائعي نسائهم فيبنون الشركات ويستثمرون الأموال ..." ثم يستطرد في تصوير رحلة البحث عن الخبز بشكل صريح من الدار البيضاء إلى طنجة، ومن طنجة إلى إسبانيا، وخلال هذه الرحلة يعالج زفزاف موضوعات اجتماعية أكثر عمقا من الهجرة من أجل الطموح المادي فقط؛ بل هناك سعي للتحرر من القيود وتفريغ الكبت الذي يعانيه الفرد العربي باسم الدين والأعراف والقانون. ولعل هذا ما قصده حينما قال "لماذا يفتعل الإنسان أخلاقا يرغب في طرحها ونبذها".


 كما يعبر عن أزمة المثقف الذي لا يجد ملاذه في وطنه فيهاجر بحثا عن كيانة وإنسانيته واحترامه المسلوبان. ويأتي في سياق الرواية تجسيدا لهذه الأزمة: عندما يقول جورج لمحمد (أ كل هذه الكتب التي قرأتها لا يمكنها أن تطعمك اليوم؟) فهل سيجد محمد ذاته في إسبانيا حقا أم أنه وهم المثالية الغربية التي آمنا بها جميعا دون نقاش؟


بالإضافة إلى تيمة المرأة الحاضرة بامتياز منذ أن حمل زفزاف القلم من العنوان وإلى آخر كلمات خطها في هذا الانتاج السردي وهي رسالته إلى عشيقته سوزي؛ المرأة التي شكلت للكاتب ملجأ آمنا ووسيلة لتحقيق الذات والقيمة المفقودة. 


خصوصا وأن الأجنبيات يبحثن في الرجل العربي عن الفحولة والدفء دون أي التزام مادي أو قيد اجتماعي أو أعباء زواج. 


كيف يمكن أن تكون تفاوتات بين المرأة و المرأة أقصد العربية والغربية؟ ولماذا لا يتحقق لمحمد ذلك الإشباع الروحي والجنسي مع بنات وطنه ؟  


كذلك تميزت هذه الرواية بطبيعة شخوصها  الصعلوكية فجميعها تتصف باليأس والشذوذ والعقد والتقهقر حتى الحراس والعسس كانوا على انحراف أخلاقي بين. أما الفضاء المكاني للرواية: كان يعكس تماما توجه الشخصيات في الحياة فقد كانت جلها إما عبارة عن حانات ليلية أو مقاهي تعاطي المخدرات أو فنادق رخيصة يرتادها اللصوص والماكرين كما جاء على لسان صاحبة الفندق نفسها.  أو أماكن مفتوحة مثل الشاطئ وبعض الزوايا فيه المشبوهة وأحيانا قليلة كانت تدور الأحداث في بيت سوزي. 


أما عن اللغة فقد تميزت ببساطة المعجم والسبك مع الجرأة في التعبير التي كادت تعد وقاحة حسب البعض، نقلت لنا تجربة محمد الإنسانية بصدق أحاطت بكل مغامراته الجنسية والتهريب والتعاطي للمخدرات وهواجسه النفسية التي تمثلت في اللامبالاة إلى حد العبث أحيانا. 


ألا يمكن للكاتب في مكان زفزاف أن يعالج موضوعاته بأسلوب محتشم؟ أم أن تعرية الواقع تتطلب بالضرورة تعرية اللغة؟


وهل قدمت لنا الرواية حلولا لهذه الظواهر الإجتماعية؟ أم أنها اكتفت ببسطها أمامنا لنتأمل في الدوافع؟ كما جاء في المحاكمة الوهمية الواردة في ص 117.


يقول الشرطي: "-المحاكم الحقيقية لا تنظر في دوافع الأفعال لكنها تنظر في النتائج فقط، نحن سوف نتجاوز الآن هذا لأن محكمتنا التاريخية هذه يجب أن تكون من نوع خاص. وعليه فإننا الآن ننظر في الدوافع الرئيسية للجريمة [........]


-سوف نصدر الأحكام وفق نتائج الدراسة وسنتجاهل في النهاية الجريمة كجريمة في حد ذاتها أي الفعل بحد ذاته فعل.


يردف محمد ويقول- هذا شيء جميل، لأن الفعل ما هو إلا مجرد فعل؛ فالقتل فعل والتغوط فعل والأكل فعل والمجامعة فعل والمشي فعل." هنا يقارن ويساوي بين كل أنواع الفعل بنفحة فلسفية.


وكأن زفزاف من خلال هذه الحوارية يحاول أن يدعونا للنظر إلى ما وراء الأفعال ويصرفنا عن النبش السطحي في نتائج الجريمة، التي لا تعطي أي اعتبار للدوافع والظروف التي تصنع الفرد وشخصيته، تصنع الذي يأكل وينام، والذي يقتل ويجرم. الدوافع التي تجعل من هذه الفئة مدنبة ومنبوذة وفقيرة وأمية ومهمشة. 


    إنها تساؤلات إشكالية ينتظر منا زفزاف التأمل فيها، وإعادة قراءة الواقع على غرارها.

الأحد، 19 سبتمبر 2021

قراءة في رواية تاء الخجل لفضيلة الفاروق - لأسامة يتوب

 

قراءة في رواية تاء الخجل لفضيلة الفاروق

بقلم: أسامة يتوب

اعتمدت فضيلة الفاروق في عرض القضايا التي تحفل بها روايتها "تاء الخجل" منهجا استقرائيا من العام إلى الخاص إذ تقدم الأحداث بدء بدار سيدي براهم؛ منزل العائلة الكبيرة، التي تتشبث بعادات وتقاليد المجتمع الجزائري، وتعيد انتاجها، وسط هذه العائلة برزت خالدة؛ الأنثى المتمردة، ذلك الفرد النشاز في العائلة، الخارج عن المألوف، فخالدة ليست كباقي فتيات العائلة، إنها تختلف عنهن في سلوكها، وتعلمها، وكذلك علاقتها بنصر الدين وحبها له...

رحلت فضيلة الفاروق ببطلتها من منزل العائلة الكبيرة إلى المدينة التي لجأت إليها هروبا من خنق العائلة وسلطتها الذكورية، لتجد المدينة هي كذلك لا تختلف عن العقلية التي تحكم  دار سيدي إبراهيم، عقلية ذكورية هي نفسها التي يسير عليها أهل قسنطينة، هي التي تسير عليها الدولة كذلك، بل والمجتمعات العربية الإسلامية أيضا، هي التي تبيح الضرب المبرح لزوجة الأخ حد الشلل، تحت تصفيق القبيلة ومباركتها، فالمرأة كيفما كانت، متزوجة كانت أم أرملة، أم مطلقة، تلسعها ألسن المجتمع، وتطالها أيدي الأقارب قبل الغرباء، في مجتمع يؤمن بوصاية الرجل على المرأة، وأن المرأة بدون رجل قيمتها كقيمة الصفر على يسار الرقم .

تمردت خالدة على هذا الوضع ورفضته بكل إمكاناتها خاصة بالدراسة والتعلم، وهذا ما خول لها مغادرة بستان الأشواك بعد البكالوريا، هربا من واقع لم ترضاه، هربت وفي قلبها حب نصرالدين، الذي غادر بدوره القرية في اتجاه المدينة قصد الالتحاق بالجامعة، انبهرا الوافدان الجديدان بالمدينة نصر الدين بالعاصمة، وخالدة بقسنطينة فعبرا عن ذلك من خلال كتابتها عن هاتين المدينتين.

عودة إلى دار سيدي إبراهيم كانت خالدة تعاني من سخط أفراد العائلة عليها إلا أبوها وأمها، لا لشيء إلا لأنها تختلف عن الأخريات، فالنساء المختلفات في المجتمع الذكوري يشكلن هواجس للأخرين خاصة من بنات جنسهن، في الحقيقة لم تكن خالدة هي المختلفة عن بنات العائلة بل أمها وأبوها؛ هما المختلفين في عقلتيهما، فأبوها كان متمردا، تمرد على عادات وتقاليد مجتمعه بتطليقه لزوجته ابنة عمه، ليتزوج التي أحبها... أم خالدة التي ستدفع ثمن تمرد زوجها، فنساء العائلة ينتقمن منها بالمكائد والدسائس والإساءات...

تمر فضيلة الفاروق لتصف لنا بنية المنزل، بنية الدار التي تكتسي أهمية كبيرة في ثقافتنا العربية الإسلامية، وكذلك في شمال أفريقيا، هندسة تؤثر في حياة الإنسان الشرقي وتشكل عقلية وأفكاره وشخصيته، وتقول فضيلة الفاروق على لسان خالدة: "لن تفهم هذه الأشياء إذا لم أصف لك سنين طفولتي وكيف كنا نعيش فيه، فهندسته ونظام الحياة فيه سر من أسرار تركيبتي وتمردي"[1] .

من هندسة الدار تنتقل بنا الكاتبة إلى موضوع في غاية الأهمية، وهو السلطة في الدار، أو من يمتلك السلطة في العائلة؟ وكغيرها من العائلات العربية الشرقية يعتلي سيدي إبراهيم هرم سلطة العائلة، سلطة خولتها له رمزيته الدينية فهو إمام مسجد، إضافة إلى السلطة المخولة له من قوانين النظام الأبوي، فإلى جانب سلطة الذكر المعترف بها والمصرح بها، هناك سلطة أخرى غير معترف بها، سلطة خفية، هي سلطة المرأة، سلطة تستمدها من رأسمالها المادي فتخول لها المشاركة في صناعة القرار، ومجالسة الرجال ومشاركتهم أحاديثهم السياسية، فكانت لالة عيشة أول امرأة انخرطت في الحزب أيام الثورة، تقول فضيلة الفاروق في حديثها عن سلطة لالة عيشة:

"كانت قد ورثت عن زوجها نخيلا في مسونش" وأراضي ضواحي "آريس" تدر عليها كل سنة مبالغ محترمة من المال، هذا ما جعل عائلة بني مقران كلها تحترمها وتأخد رأيها في كثير من الأمور" [2]

إن رأس مالها المادي خول لها مراكمة رأسمالا اجتماعيا حتم على الأخرين احترامها وتقديرها. نعود مجددا إلى التنظيم في العائلة العربية الاسلامية، فكما سبق وأشرنا نجد الذكر في أعلى هرم السلطة، رجل العائلة الذي يحظى برمزية دينية مرفقة بسلطة المال، هاتين الميزتين تخول له سلطة اتخاذ القرار وإصداره. ولتكريس هذه السلطة يستغل كبير العائلة يوم الجمعة باعتبارها ذات رمزية دينية، ليتجدد ولاء أفراد عائلته له، من خلال بروتكول يذكر به بمكانته في العائلة. فبعد صلاة الجمعة والعودة من المسجد ينتصب سدي براهيم في موقع السلطة متخذا من إخوانه وأبنائهم حاشيته المفضلة، يجلسون في قاعة الضيوف، حول المائدة الكبيرة، ينتظرون خدمة النساء لهم، ترسيخا لثقافة ذكورية متجذرة في المجتمع الجزائري وكذلك بقية المجتمعات الشرقية. فالنساء دورهن أعداد الطعام وانتظار الرجال إلى حين عودتهم من المسجد، لتناول الغداء قبل النساء، هذا الوضع ترفضه خالدة وتتمرد عليه ولو بشكل غير مصرح به، فتختار الانزواء في البستان أو على الدرج.

تنتقل بنا المؤلفة إلى انتقاد العرس الجزائري الذي لا يختلف عن باقي الأعراس في مجتمعنا العربي، عرس شرقي ينتهك حرمة العروس، ويختزلها في بضع قطرات دم تسيل بين فخضيها. وضع يتواطأ معه الكل، حتى العروس نفسها متواطئة.

فتقول المؤلفة:

" والنساء يزغردن، والعروس تمثل البراءة...

ما أبشع ان تكون الواحدة منا عروسا [3] "

على لسان خالدة تسرد لنا فضيلة الفاروق معاناة الإناث مع ذكور العائلة، فحب نصر الدين جعلها تراقب غرفته ليلا، ليباغتها ابن عمها محاولا ابتزازها واخضاعها له، هذا الأسلوب يسلكه الأقارب مع قريباتهم من أجل إجبارهن على الانصياع لهم وإشباع رغباتهم... المعاناة لا تتوقف هنا بل شن العم بوبكر هجوما عليها وحرض الأب عليها بمبرر أن بنات الجامعة يعدن حبالى، وطرح عليه سؤالا مستفزا، هل ستنتظر حتى تأتيك بالعار؟![4]. لم يستسلم العم بوبكر حتى قرر كبير العائلة سدي براهيم تزويج خالدة لأحد أبناء عمومتها محمود أو أحمد، هذا الحل تلجأ إليه العائلات الشرقية لدرء الفضيحة أو نفيها. تمردا على هذا القرار لجأت خالدة الى قسنطينة، وبعد ذلك جاءها خبر اعتقال محمود لانتمائه لجماعة إسلامية متطرفة... أما أحمد فيرفض هذا الزواج، ويرفض أن يقرر مصيره من طرف الأخرين، وكذلك وفاء لصديقة نصر الدين.

انتقلت خالدة إلى الحياة المهنية وانشغلت بالعمل الإعلامي مع جريدة "الرأي الآخر" من خلال هذه الأحداث تطلعنا فضيلة الفاروق على واقع الصحافة آنذاك حين بلغت موجة اغتيال الصحافيين دروتها. وأدرك أهل الصحافة لأنه لا مفر من الوحدة لتحصين الذات.

سنة العار.. هي السنة التي عرفت فيها خالدة هزة في دواخلها وغيرت خارطة مشاعرها، هي السنة التي شهدت اغتيال 151 امرأة واختطاف 12 امرأة من الوسط الريفي المعدم. هنا استحضرت فضيلة الفاروق جزء من تاريخ المجتمع الجزائري، ما يعرف بالعشرية السوداء، والتي عانى فيها المجتمع الجزائري مع الحركات الإسلامية المسلحة. خاصة سنة 1995 حين أعلنت هذه الجماعات في بيانها رقم 28 الصادر في 20 نيسان، أنها وسعت دائرة معركتها.

"سنوسع أيضا دائرة انتصاراتنا بقتل أمهات وأخوات وبنات الزنادقة اللواتي تقطن تحت سقف بيوتهن واللواتي يمنحن المأوى لهؤلا...[5]

في ظل هذا الوضع لم تعد الهجرة حلا، هربا من العائلة، ومن القرية إلى المدينة، ومن مدينة إلى مدينة.. بل صار الوطن كله مثيرا للرغبة في الهجرة.

تطرقت فضيلة الفارق لسكيزوفرينية الإنسان العربي الذي يسفق للفنانة ليلا بعد العرض، وفي الصباح يصفها بالعاهرة، كان هذا حال كنزة التي أحبت المسرح وأبدعت فيه، فبعد خمس سنوات من العطاء والتضحية قررت ترك المسرح، لتتزوج وتعود إلى مدينة سكيكدة.

  بعد حكاية كنزة تأتي حكاية ريمة النجار طفلة اغتصبها الأربعيني صاحب البسكويت، ليلجأ والدها الى تخليصها من العار برميها من جسر سدي مسيد... إن إنساننا العربي، وخاصة الطبقات الفقيرة ملاذها الوحيد والأوحد للخلاص هو الموت، إنها تنتظر الموت، بل تصنعه لتتخلص من عقدة العار، عقدة المدنس، عقدة الاغتصاب، إنهم ينتصرون لمغتصبيهم، ويرزحون تحت أقدامهم، بجلدهم لذواتهم، وارتكاب جريمة ثانية في حق الضحية.

"يمينة" تلك حكاية أخرى تحمل بين طياتها جروحا غائرة لم ولن تندمل، هذه الفتاة هي واحدة من المجموعة التي حررها الجيش الوطني من قبضة الجماعة الاسلامية، "يمينة" واحدة من المحتجزات اللواتي تعرضن للاغتصاب والاستغلال والعنف... من طرف أعضاء تلك الجماعة، فأنجبت طفلا فقتلوه أمامها. تقول فضيلة الفاروق على لسان "يمينة":

"إنهم يأتون كل مساء ويرغموننا على ممارسة «العيب» وحين نلد يقتلون المواليد، نحن نصرخ ونبكي ونتألم وهم يمارسون معنا العيب نستنجد ونتوسلهم، نقبل أرجلهم ألا يفعلوا ذلك ولكنهم لا يبالون" [6]

هذا الوضع الذي تعانيه يمينة كانت في حاجة إلى مساندة أهلها وذويها؛ فالإنسان في حالة الأزمة يميل إلى الاستناد إلى أهله إلى من يلتمس فيهم قرابته ودمه، فيرتاح إلى مساندتهم، هكذا هي الشخصية الشرقية وخاصة في شمال إفريقية ننحاز إلى أبناء عمومتنا ولأبناء بلدتنا ولأبناء قبيلتنا... فعندما صرحت خالدة ليمنة أنها من نفس بلدتها "تابندوت" فرحت لذلك واعتبرتها أهلها. فتقول فضيلة الفاروق على لسان يمينة:

 " تمنيت أن أرى أحدا من أهلي قبل أن أموت، فإذا بالله يستجيب لي، جئت أنت.."[7]

 فبعد اطمأنت يمينة لخالدة أخذت المبادرة لتحكي بلسانها معاناتها ومعاناة زميلاتها في محنة الاختطاف.

وفي الفصل المعنون بدعاء الكارثة تحاول فضيلة الفاروق أن تنقل للقارئ مدى تأثير جبهة الإنقاذ في المجتمع الجزائري، وقدرتها الرهيبة على تغييب عقول الناس واستلابهم، وجعلت منهم ببغاوات يرددون خطابات جبهة الإنقاذ، حتى دعاء الكارثة يرددونه دون أدنى تفكير أو نقد...

استعملت المؤلفة كلمة "المآذن" لا للتعبير فقط عن البناية العالية من المسجد التي ينبعث منها الآدان، بل تعبيرا عن الخطاب الإيديولوجي الذي تروج له الحركات الإسلامية، ومدى تأثيره على الآخرين، فمعلوم أن مجتمعاتنا العربية يستهويها العزف على الوتر الديني، وكيف يؤدي هذا العزف إلى تغيب عقولهم وحسهم النقدي إن وجد. 

وفي نقاشها مع مدير الجريدة خلصت خالدة إلى أن مشكلة الاغتصاب والاعتداء على النساء لن تحلها القوانين ولا مقالات الصحافة، في غياب إرادة تغير حقيقية، إن المسألة مسألة عقليات وضمائر.

عرجت المؤلفة على موضوع آخر لا يقل أهمية عن سابقه. الطفولة في قسنطينة، طفولة تحمل بؤسا وحرمانا، جعلوا من الحديقة الصغيرة مأوى لهم، طفولة تمتهن بيع السجائر والمخدرات وأكيد الإدمان عليها، حديقة تعج بالشواذ والسكارى...مما يجعلها بيئة مناسبة لانتشار مظاهر سلبية تؤثر بشكل سلبي على المجتمع. تقول المؤلفة:

" على بعد مئة متر يتجاور الطهر والنجاسة.

"يتكاثر المرض فالحدائق... لمحت رجلا يستمني واقفا...مال عاشق وسخ على حبيبته وقال لها: فكي الخمار...[8]

أما قضية الإجهاض فقد جعلت لها فضيلة مكانة خاصة في روايتها هذه، فإحدى ضحايا الاختطاف والاغتصاب كانت ترغب في الاجهاض، وطلبت ذلك من الطبيب الذي رفض القيام بهذه العملية بحكم أن القانون لا يخول له الصلاحية، إذ يلزمه محضر الشرطة الذي يثبت أن هذه السيدة كانت ضحية الاغتصاب. تقول الكاتبة : "أي قانون هذا الذي يجبر المرأة على قبول ثمرة اغتصاب كرامتها وإنسانيتها في أحشائها؟"[9]

إن ضحية الاغتصاب في وطننا العربي مضطرة لمواجه مصيرها لوحدها، تتعرض للنبذ والوصم، أسرتها تتنكر لها والمجتمع كذلك يمارس عليه عنفا رمزيا، في رواية "تاء الخجل" تابعنا كيف رفضت أسرة يمينة استقبالها، بل وأنكرت أن لهم بنتا تدعى "يمينة". وأبعد من ذلك تناولت يمينة الاعتداء على الحرمات كآلية للانتقام، فاختطاف النساء جاء انتقاما من الأسر التي انظم أفرادها إلى الجيش الجزائري.

 "إن ابنك التحق بالطاغوت وهذا جزاءك لأنك تركته... " [10]

يتشكل أعضاء هذه الجماعات من كل طبقات الشعب، منهم الفقير والغني، المتعلم وغير المتعلم... كما تحكي "يمينة" عن قصة رزيقة فتقول:

" بعضهم قارين، هي نفسها (رزيقة) تعرفت من بين الإرهابين على زميل لها كان معها في الجامعة"[11]

   أنهت فضيلة الفاروق روايتها هذه بموت "يمينة" موت لم تمت معه معاناة نساء الجزائر، وكذلك الأمر بالنسبة لنساء المجتمعات الشرقية، مجتمعات الحياة فيها معادلة للموت. لهذا استأنفت خالدة هجرتها التي بدأتها من منزل العائلة في القرية في اتجاه المدينة، هجرة لم تغير الواقع ففضلت أن تهاجر خارج الوطن، وأن تراقبه من بعيد.


[1]  فضيلة الفاروق, تاء الخجل, رياش الريس للنضر و التوزيع ص 16

[2] نفسه ص 22

[3] نفسه ص 26

[4] نفسه ص 28

[5] مقتطف من البيان رقم 28 الصادر في 20 نيسان 1995 عن الحركة الإسلامية في الجزائر

[6] نفسه ص 45

[7] نفسه ص 48

[8] نفسه ص 64 بتصرف

[9] نفسخ ص 66

[10] نفسه ص 76

[11]  نفسخ ص 85

عربي باي