‏إظهار الرسائل ذات التسميات حبر وقلم. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات حبر وقلم. إظهار كافة الرسائل
الأحد، 4 مايو 2025

القراءة في المغرب: بين الواقع المتعثر وتجارب النهوض

 القراءة في المغرب: بين الواقع المتعثر وتجارب النهوض


سليم ياسين 

لا يختلف اثنان على أن القراءة تمثل ركيزة أساسية في بناء الفرد والمجتمع، ومرآة تعكس دينامية الأمم في مسار التنمية والتحول الحضاري. غير أن واقع القراءة في المغرب، رغم ما تحمله الخطابات الرسمية من آمال، لا يزال يواجه تحديات بنيوية وثقافية عميقة، تتداخل فيها عوامل اقتصادية، تربوية، وسوسيولوجية. فمؤشرات العزوف عن القراءة، خصوصًا في صفوف الشباب، تثير تساؤلات جوهرية حول مكانة الكتاب في المنظومة التعليمية والثقافية، وتدفع إلى إعادة تقييم المبادرات القائمة.


تُجمع التقارير والدراسات الميدانية على أن معدل القراءة الفردية في المغرب يظل ضعيفًا مقارنة بدول أخرى، حتى داخل المحيط العربي. فالمكتبات العمومية قليلة، وضعف الإقبال على اقتناء الكتب لا يُمكن فصله عن الكلفة المرتفعة، ولا عن التحول الرقمي الذي غيّر من عادات التلقي والاستهلاك الثقافي. وفي ظل تراجع المدرسة عن دورها المحوري في ترسيخ عادة القراءة، أصبح من الضروري استحضار التجارب والمبادرات التي حاولت، بدرجات متفاوتة من النجاح، إعادة الاعتبار للقراءة كممارسة مجتمعية.


من بين هذه المبادرات، برز "المشروع الوطني للقراءة" الذي تم إطلاقه بهدف إحداث دينامية جديدة داخل المؤسسات التعليمية، وتحفيز المتعلمين على القراءة الحرة. يقوم المشروع على مقاربة تشاركية تستهدف المتعلمين والمدرسين والمؤسسات على حد سواء، عبر مسابقات، جوائز، وآليات تتبع. غير أن فعالية هذا المشروع، على أهميته، تبقى مرهونة بمدى قدرة المدرسة المغربية على خلق بيئة محفزة للقراءة، سواء عبر تكوين المدرسين، أو تعزيز المكتبات المدرسية، أو دمج القراءة ضمن ممارسات تربوية يومية لا تقتصر على الشعارات.


في السياق ذاته، أفرز "تحدي القراءة العربي" الذي أطلقته دولة الإمارات، حضورًا قويًا في المغرب، إذ برز عدد من التلاميذ المغاربة في مراتب متقدمة على مستوى العالم العربي. وقد شكّل هذا التحدي فرصة لإعادة تسليط الضوء على الإمكانات الفردية الكامنة، وعلى الدور الذي يمكن أن يلعبه التحفيز والمنافسة في نشر ثقافة القراءة. غير أن نجاح هذه التجربة يظل مهددًا إذا لم تتحول القراءة من مجهود ظرفي إلى ممارسة مستدامة. فالمراهنة على الجوائز وحدها لا تكفي، ما لم يصاحبها إرساء بنية تحتية ثقافية متينة، تبدأ من المدرسة ولا تنتهي عند الأسرة والمجتمع المحلي.


ما يمكن استنتاجه هو أن القراءة في المغرب ليست فقط تحديًا تربويًا، بل هي كذلك رهان حضاري وثقافي يتطلب تضافر جهود الدولة والمجتمع المدني، وتجاوز المقاربة الاحتفالية إلى مقاربة مؤسسية دائمة. فالقراءة لا تنمو في الفراغ، بل تحتاج إلى سياسات ثقافية شمولية، تدعم الكتاب، وت الوصول إلى المعرفة، وتُعيد للمدرسة دورها كفاعل ثقافي مركزي. وبين المبادرات الناجحة والمجهودات المبعثرة، يبقى السؤال مطروحًا: هل نملك في المغرب الإرادة الجماعية لتحويل القراءة من ترف نخبوي إلى فعل يومي يُعيد تشكيل وعي الأفراد وطموحات الأمة؟



الجمعة، 2 مايو 2025

العنف المدرسي وانتهاك كرامة الأستاذ: أزمة مجتمع أم إخفاق منظومة ؟



بقلم : سليم ياسين

لم تعد المدرسة، في السياق المغربي، فضاءً آمناً للتعلم والتربية كما كانت تُصوَّر تقليديًا. فقد أصبح العنف بمختلف أشكاله يتسلل إلى أسوارها، حتى بات بعض الأساتذة ضحايا له، لفظيًا وجسديًا، من قبل تلامذتهم أو محيطهم. هذه الظاهرة، التي تتنامى في ظل تحولات اجتماعية وتربوية عميقة، تطرح تساؤلات جوهرية حول مكانة المدرسة في المجتمع، ودور الأستاذ الذي تراجع من موقع الهيبة إلى موقع الاستضعاف. في هذا المقال، نسلط الضوء على مظاهر العنف داخل المؤسسات التعليمية، أسبابه، انعكاساته، وسبل معالجة الوضع بما يضمن كرامة المدرّس وجودة الفعل التربوي

يُعتبر العنف داخل المؤسسات التعليمية من الظواهر التي باتت تشكّل مصدر قلق حقيقي للأسرة التربوية والمجتمع ككل، نظرًا لتأثيره السلبي على سير العملية التعليمية وعلى العلاقات داخل الفضاء المدرسي. وتتخذ هذه الظاهرة أشكالًا متعددة تتفاوت من حيث الشدة والخطورة، وتنبع من عوامل فردية واجتماعية ومؤسساتية متداخلة.

يظهر العنف الجسدي بشكل واضح من خلال المشاجرات المتكررة بين التلاميذ، والتي قد تصل إلى استعمال أدوات حادة أو إلحاق أذى جسدي خطير بالآخرين، كما لا تخلو بعض المؤسسات من حالات اعتداء تلاميذ على أساتذتهم أو أطر الإدارة، مما يعكس تراجعًا في سلطة المدرسة وفي احترام رموزها. إلى جانب ذلك، نجد أشكالًا أخرى من العنف الجسدي، مثل تعمّد إتلاف ممتلكات الغير أو تخريب البنية التحتية للمؤسسة.

أما العنف اللفظي، فيُعتبر من أكثر الأشكال شيوعًا، ويتمثل في تبادل السب والشتم بين التلاميذ أو في حق الأساتذة، ويتّخذ أحيانًا طابعًا تمييزيًا أو عنصريًا، خصوصًا حين يتم السخرية من المظهر الخارجي أو الوضع الاجتماعي لبعض التلاميذ. وقد يُفضي هذا النوع من العنف إلى آثار نفسية عميقة يصعب تداركها، خاصة إذا كان موجهًا باستمرار لنفس الأفراد.

يتجلّى العنف النفسي بدوره في التنمر، الذي قد يتخذ صيغًا متعددة من الإقصاء الاجتماعي، أو التحقير المتكرر، أو ممارسة ضغط نفسي على بعض التلاميذ، إما من طرف زملائهم أو من أطراف معينة داخل المؤسسة. ويؤدي هذا النوع من العنف إلى ضعف الثقة في النفس، وتراجع الأداء الدراسي، وأحيانًا إلى الانقطاع عن الدراسة.

ومع تطور التكنولوجيا، ظهرت أنماط جديدة من العنف تُمارَس عبر الوسائط الرقمية، حيث أصبح بعض التلاميذ عرضة للتشهير أو التهديد من خلال منصات التواصل الاجتماعي، أو يتم تصويرهم داخل المؤسسة دون علمهم ونشر مقاطع تمسّ بكرامتهم. ويُعد هذا العنف الرقمي امتدادًا للعنف الواقعي، لكنه أكثر خفاءً وأصعب من حيث المراقبة والردع.

ولا ينبغي إغفال العنف الرمزي أو المؤسساتي، الذي يتمثل في غياب الإنصاف داخل الفضاء المدرسي، أو في اعتماد أساليب تربوية تقوم على التهديد والترهيب بدل الحوار والتفاهم، مما يُفقد المدرسة دورها التربوي، ويحوّلها إلى فضاء للضغط والإكراه بدل أن تكون فضاء للتنمية والتكوين.

فمن أولى الأسباب التي تؤدي إلى تفشي العنف المدرسي، نجد ضعف التنشئة الاجتماعية داخل الأسرة. فغياب الحوار الأسري، واستعمال العنف كوسيلة للتأديب، أو الإهمال التربوي، كلها عوامل تخلق لدى الطفل شعورًا بالحيف أو التمرد أو الخضوع للعنف باعتباره وسيلة عادية لحل النزاعات. كما أن التفكك الأسري أو الانتماء إلى بيئات فقيرة ومهمشة يزيد من هشاشة الوضع النفسي للتلميذ، ويُضعف قدرته على التكيف الإيجابي داخل الوسط المدرسي.

من جهة أخرى، يُسهم المحيط الاجتماعي بدوره في تفشي العنف، خاصة حين يكون مشبعًا بثقافة القوة والتسلط ورفض الاختلاف. فوسائل الإعلام، وبعض مضامين شبكات التواصل الاجتماعي، تروج في كثير من الأحيان لصورة البطولة المرتبطة بالعنف، مما يؤثر على وجدان الناشئة ويؤسس لتطبيع غير واعٍ مع السلوك العدواني.

أما داخل المدرسة نفسها، فهناك عدة عناصر يمكن أن تفرز بيئة غير آمنة نفسيًا، منها الاكتظاظ داخل الفصول الدراسية، وغياب الأنشطة الموازية الداعمة، وافتقار الفضاءات المدرسية إلى التجهيزات التي تضمن الراحة والانضباط، ناهيك عن عدم استقرار العلاقة بين التلميذ والأستاذ، خاصة حين تسود أساليب التوبيخ والتقريع دون احتواء أو إنصات. هذا المناخ التربوي المتوتر قد يدفع التلميذ إلى التعبير عن غضبه أو رفضه بشكل عنيف.

كما أن غياب منظومة فعالة للمواكبة النفسية والاجتماعية داخل المدرسة، يشكل سببًا مباشرًا في تفاقم بعض السلوكات العدوانية، إذ لا يجد التلميذ من ينصت إليه أو يواكبه في فترات الأزمات، مما يجعله يتصرف بردود فعل عفوية تتسم بالعنف أو التمرد.

ولا يمكن إغفال أثر ضعف التكوين البيداغوجي في مجال تدبير الصراعات داخل القسم، فبعض الأساتذة قد يفتقرون إلى أدوات التعامل مع المراهقين بطريقة تربوية فعالة، مما يؤدي إلى سوء الفهم وتنامي الاحتقان داخل الفصول الدراسية.

انطلاقًا من هذا التحليل، يمكن القول إن العنف المدرسي لا ينبع من سبب واحد، بل هو نتاج شبكة من العوامل المتشابكة التي تمسّ الطفل في بيئته الأسرية، ومجتمعه، ومؤسسته التعليمية، وحتى في صورته الذاتية. وبالتالي، فإن معالجته تستلزم تدخلًا متكاملاً يجمع بين التربية، والدعم النفسي، والإدماج الاجتماعي، والتأهيل التربوي.

إنّ التصدي لظاهرة العنف المدرسي لا يقتصر على إجراءات سطحية أو ظرفية، بل يقتضي مقاربة شمولية تضع في صلب أولوياتها إصلاح المناخ التربوي، وتعزيز القيم الإنسانية، وتكريس ثقافة الحوار داخل الفضاء المدرسي. فالمؤسسة التعليمية لا ينبغي أن تقتصر وظيفتها على نقل المعارف فقط، بل يجب أن تُؤهَّل لتكون فضاءً آمنًا يضمن النمو المتوازن للمتعلّمين على المستويات النفسية والاجتماعية والسلوكية.

من أولى الخطوات الضرورية في هذا الإطار، إعادة الاعتبار للدور التربوي للمؤسسة، من خلال تقوية العلاقة بين الأسرة والمدرسة، وتشجيع التواصل المستمر بين الأطر التربوية والآباء، بهدف خلق بيئة داعمة للتلميذ في مختلف أبعاده. كما ينبغي تعزيز البرامج التربوية التي تُرسخ قيم التسامح، والتعاون، واحترام الاختلاف، عبر إدماج أنشطة الحياة المدرسية والورشات التحسيسية ضمن المنهاج غير الرسمي.

ومن جهة أخرى، فإن توفير الدعم النفسي داخل المؤسسة يُعدّ عنصرًا حاسمًا في الوقاية من السلوكات العنيفة. إذ تبرز الحاجة الملحة إلى تخصيص موارد بشرية مؤهلة، مثل الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين، القادرين على مواكبة التلاميذ الذين يعانون من صعوبات شخصية أو سلوكية، وتقديم الدعم اللازم لهم قبل أن تتحول أزماتهم إلى مظاهر عنف.

في المقابل، يستوجب الوضع التربوي أيضًا تأهيل الأطر التربوية والإدارية في مجال تدبير الخلافات، وتطوير مهارات الإنصات، والتواصل الإيجابي مع التلاميذ. فكلما شعر المتعلم بالاحترام والاحتواء، كلما زادت قدرته على ضبط نفسه وتجاوز توتراته بشكل سليم. كما أن توفير تكوين مستمر للأساتذة حول الذكاء العاطفي، والبيداغوجيا الفارقية، وأساليب التحفيز، يمكن أن يُحدث تحولًا عميقًا في بنية القسم والعلاقات داخله.

ولا يمكن التغاضي عن دور الحياة المدرسية في معالجة العنف، حيث تُمثل الأنشطة الثقافية والفنية والرياضية مجالات رحبة لتفريغ التوتر وبناء الثقة بالنفس، وتعزيز روح الجماعة والانتماء. إن إدماج التلميذ في مشاريع جماعية ذات بعد إبداعي أو تضامني يجعله يُعبّر عن ذاته بطريقة إيجابية، ويطوّر مهاراته الاجتماعية، بدل الانغلاق أو التمرد.

أخيرًا، فإن إعادة الاعتبار للمؤسسة التعليمية تقتضي أيضًا تأهيل فضاءاتها وتجهيزها لتكون بيئة جاذبة وآمنة، تحترم كرامة التلميذ وتُحفّزه على الحضور والمشاركة. فالمؤسسة التي تُوفّر شروط الراحة النفسية والمادية هي نفسها التي تُنتج تلميذًا متوازنًا وسويًّا، وقادرًا على التعلّم والنجاح دون عنف.

في ضوء هذه المعطيات، تبدو معالجة العنف المدرسي مهمة جماعية تتقاسمها الأسرة، والمدرسة، والمجتمع، وتقوم على رؤية تربوية تؤمن بأن التلميذ ليس فقط متلقّيًا للمعرفة، بل إنسانًا في طور التكوين، يحتاج إلى العناية، والتقدير، والحوار المستمر.




الخميس، 1 مايو 2025

الدبلوماسية الموازية عند نقابة الاتحاد المغربي للشغل

الدبلوماسية الموازية عند نقابة الاتحاد المغربي للشغل


عبدالله أطويل 



احتفلت الشغيلة المغربية بعيدها الأممي الذي يصادف يومه فاتح ماي، احتفال سنة 2025 جاء ضمن سياق اجتماعي واقتصادي غير مسبوق. وسط زخم الخطابات النقابية والعنتريات الشعرية لنقابات الاحزاب، اعتلت منصة هذه المشاهد احتفالات نقابة الاتحاد المغربي للشغل باعتباره أعرق وأكبر صرح نقابي بالمغرب، بدا من خلال كلمة الأمين العام لنقابة UMT، أن هذه النقابة متشبتة وثابتة على مبادئها التاريخية والخالدة في دروب النضال والدفاع المستميث عن حقوق الشغيلة المغربية، والتمترس ضد الاجهاز عن مكتسباتهم.

إذا ما قمنا بقراءة تحليلية لفحوى كلمة السيد الميلودي مخاريق الأمين العام لهذه المركزية النقابية، الذي استهل كلمته بتأكيد ثبات نقابته على عقيدتها الأزلية في الدفاع عن الطبقة العاملة، كما أشار إلى تزامن احتفالات هذه السنة مع الذكرى السبعين لميلاد نقابة الاتحاد المغربي للشغل. الزعيم النقابي خلال كلمته جدد رفضه لقانون الإضراب المصادق عليه مؤخرا، كل الممارسات الرجعية من الحكومة في محاولاتها المتكررة لترويض العمل النقابي وخلق سياسات تكبيلية، أما عن سياق الوضع الاجتماعي بالبلاد، فإن بيان نقابة "اليومتي" أكد على ضرورة تدبير الحكومة لهذا الوضع وايجاد حلول ناجعة، عوض التلكؤ ونهج سياسة النعامة او تقديم العربة على الحصان. مقدما أرقاما صادمة عن نسب البطالة، خصوصا في صفوف فئة الشباب، حيث قيل في رواية البيان أن 50 بالمائة من الشباب بين 15 و 24 سنة يعانون من البطالة. كما أكد الأمين العام التاريخي لهذه النقابة أن الوضع الاجتماعي والعدالة الضريبية والهشاشة والفقر وتعميم الحماية الاجتماعية وبرامج الدعم، كلها تحديات على الحكومة العمل بشكل جاد لحلحلتها، داعيا إلى ضرورة الرفع من الحد الأدنى للأجور بما يتلائم مع الغلاء المتزايد في المعيشة والارتفاع الصاروخي في الأسعار. 


ضمن طيات مقالنا هذا، ومن باب العرفان والنظر للنصف المملوء من الكأس قبل الفارغ منه، لابد أن نعطي لزيد ما لزيد ولعمر ما لعمر. وبهذا، ومن هنا سنشير بالمبتدأ والخبر إلى نقطة هامة كانت ضمن كلمة الأمين العام لأم النقابات، حين تحدث عن دور الاتحاد المغربي للشغل على الصعيد الدولي، وهذا امر غاية في الأهمية، سندرجه ضمن خانة الدبلوماسية الموازية، إذ كان الاتحاد المغربي للشغل عبر التاريخ يتسم بموقف قوي باعتباره عضو بارز بالاتحاد الدولي للنقابات، وهذا أمر جعله في أكثر من مرة يترافع دوليا خصوصا عندما يتعلق الأمر بملف الصحراء المغربية، ففي أحايين كثيرة، كانت النقابة تفتح فتوحات دبلوماسية دولية وبمناطق جيوسياسية صعبة، عجزت عن سبر أغوارها الأحزاب والحكومات. 


لو نسينا شيء، فلن ننسى أن كلمة الأمين العام لنقابة "اليومتي" استحضرت إلى جانب القضية الوطنية الأولى، استحضرت القضية الفلسطينية، ولعلها قضية تبنتها هذه النقابة مند تأسيسها قبيل استقلال المغرب. حيث كانت القضية الفلسطينية ولازالت إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا. كما رفرف العلم الفلسطيني الأبيّ في سماء شارع الجيش الملكي إلى جانب العلم المغربي وشعارات نقابة الاتحاد المغربي للشغل ويافطات كل الجامعات العمالية المنضويات تحت لوائه. ولأن الشيء بالشيء يذكر، فسنذكر هنا سهر الاتحاد المغربي للشغل على تنظيم الاحتفال بكل ربوع الوطن، وجل المدن الصحراوية المغربية بل حتى بمعبر الكركارات. وهو أكبر رد عن من، شكك بالأمس في وطنية هذه النقابة لمجرد انسحاب فريقها من احدى جلسات مجلس المستشارين ورفضه الخوض مع الخائضين في تمرير قانون الإضراب الموصوف في قاموس هذه النقابة بالقانون "اللقيط" و "المولود الغير الشرعي"، لتعارضه والحق الدستوري في ممارسة الإضراب والفعل النقابي.

الاثنين، 19 فبراير 2024

دِكْتَاتُورِيَّـة الخُبْـزِ وخُرَافَـة الحُرِّيَّـة (حركة 20 فبراير نموذج)

 

دِكْتَاتُورِيَّـة الخُبْـزِ وخُرَافَـة الحُرِّيَّـة (حركة 20 فبراير نموذج) 


        تقديم: لا أتعجب من عصفور يهرب مني وأنا أقترب منه رغم أنه في يدي طعام له فهي تؤمن بأن الحرية أغلى من الخبز ، وفي هذا الصدد يقول عالم الاجتماع المصري "نادر فرجاني":(إن الأنظمة العربية ضحكت على ذقون شعوبها عندما زعمت أن الحرية يتعين أن تنتظر توافر الخبز، بمعنى إشباع الحاجات الأساسية للبشر أولاً، ولكن معادلة الخبز قبل الحرية انتهت إلى افتقاد عامة العرب إلى الخبز والحرية كليهما).


        نعم، خلق الله الإنسان وكرمه على كافة الخلائق التي أوجدها على هذا الكون سورة الإسراء (70) (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَم) وميزه بالعقل والفكر ومن خلالهما سخر له جميع ما تحويه الأرض من خيرات لكن بعد أن يستخدم عقله وفكره ويعرف كيف يستفيد منهما وكيف يتعامل معهما، من خلال هذا العقل والفكر عرف الإنسان القدرات والمواهب التي يتمتع بها وعرف أيضاً ما هو أعمق من ذلك كرامته وقيمته وإنسانيته فأصبح يناضل من أجلها لأنه بدأ يدرك أنه لا يمكن أن يعيش على هذه الأرض من دون هذه القيم العظيمة وهي احترام هذه الروح قبل الجسد، فكرامة الإنسان لا تتجزأ مثلها مثل كل القيم العدل والحرية والمساواة فهي مطلقات وثوابت بحث عنها الإنسان منذ القدم وناضل من أجلها وصنعت حضارات وهدمت بسببها وكتب التاريخ قصص أبطال ناضلوا من أجل كرامتهم وحريتهم التي طالما آمنوا بها فضحوا بأرواحهم في سبيل استعادة هذه الكرامة بعد ما ضاق بهم الظلم والتجني،  واللافت للأنظار حاليا هو ترديد نفر من الكتاب والمثقفين والإعلاميين المغاربة بالخصوص على اعتبار أن التنمية وليس الديمقراطية والحرية هي الحل باعتبار أن الاستبداد قد تمكن بالفعل في بلادنا وبالتالي لا طائل من وراء الاستمرار في معارضته من أجل الحرية والديمقراطية وأن الشعب في حاجة لتصديق وعود مستبدّيه في ما يتعلق بخطط النهوض والتنمية الاقتصادية والمعيشية التي تهطل عليه يوميا.

        نعم، إذا كانت المفاضلة بين الخبز والحرية فإن الحرية هي الأهم فإذا درسنا تاريخ الهروب في القرن العشرين سنجد أن الهروب كان دوما ناحية الغرب الديمقراطي الرأسمالي من أوروبا الشرقية إلى أوروبا الغربية ومن العالم الثالث إلى أوروبا  وإن كثيرين ممن هربوا لم يكن ينقصهم العمل أو المال أو الخبز لأنه كان متوفرا بالمجان ما يعني أنه كان هروبا من أجل الحرية، فأكبر هروب جماعي في التاريخ الحديث شهدته ألمانيا الشرقية ففي عقود الحرب الباردة فر وهاجر حوالي خمسة ملايين ألماني إلى ألمانيا الغربية بعد تحول ألمانيا الشرقية إلى دولة شيوعية على النمط الستاليني فبين (1950-1960) كان يهاجر أو يفر سنويا ما بين 100 ألف إلى 200 ألف مواطن أي أكثر من 500 شخص في اليوم فقد كانت ألمانيا الشرقية نموذج للخبز وألمانيا الغربية نموذج للحرية، ومن خلال دراسة نشرتها مجلة "Foreign Affaires” الأميركية بأن اهتمامات الناس الذين استطلعت أراءهم في 12 دولة عربية إسلامية من بينها المغرب تتمحور حول كلمتين هي الخبز والحرية وكان هنالك تفضيل واضح لمفردة الخبز وهذا يعني أن تحسين الشروط المادية للحياة يمثل أولوية بالنسبة للإنسان العربي على العموم و المغربي بالخصوص في هذه الدو ل، ونحن شعرنا بهذا بوضوح في المغرب فالناس الذين شاركوا في التظاهرات الاحتجاجية مع حركة 20 فبراير كانوا يطالبون بالخبز بعد أن شعروا أن الدولة التي ينتمون إليها لا تشبع بطونهم الخاوية.

نعم، لقد كانت بداية الانعتاق الذي عرفته الشعوب من حكم الأنظمة المستبدة يوم وعت أن كرامتها أولى من كسرة الخبز التي يقدمها لها سيدها على طبق المذلة والخنوع والتساقط على الأعتاب مقابل الاعتراف بشرعية أسقطتها سنين الاستبداد والظلم والدوس على كرامتهم، فلقد أفلحت هذه الشعوب حينما سلكت سبيل البحث عن الكرامة المفقودة والحقوق المهضومة وضحت من أجل ذلك بـكسرة الخبز فلم ترضى بغير كرامتها وحريتها مطلبا لثوراتها، فلما ثارت إنما ثارت لتحيا من جديد حياة الحرية والكرامة وهي تعلم علم اليقين  أن لهذه الحياة الجديدة مخاضا برائحة الموت يموت من أجلها جيل لتعيش أجيال فانتصرت لرغبتها وإرادتها في التغيير على جيوب مقاومة التغيير وكان ما كان من الهبَّات  التي غيرت الخرائط وبدلت الوجوه وصححت العناوين والمفاهيم من تبعية واستلاب إلى حرية وكرامة، فالحرية قيمة أعلى من قيمة الخبز وقد يرى البعض أن الخبز مادة الحياة وهذا القول يتساوق مع القول الذي يُنسب إلى "شكسبير":(أعطني خبزاً ومسرحاً أعطيك شعباً مثقفا) ويمكن بسهولة أن نرد على هذا القول رداً دينياً ونستشهد بقول "السيد المسيح":(ليس بالخبز وحده يحياً الإنسان)، هذا كله لا يعني أن الاستبداد هو طوق النجاة أو أن يجرى الانخداع بمعسول الكلام وبالوعود الفارغة التي يلقيها المستبدون ويرددها إعلامهم على مدار الساعة من أجل إقناع ذلك المواطن بأن الاستبداد هو الحل أو أن يصدق الكلام المعسول عن المشاريع العملاقة وخطط التنمية التي تمتد عبر الزمن لأجيال قادمة على طريقة خطط 2030 و2050 و2070 التي نسمع عنها في أكثر من بلد عربي وتبيع أحلاما خاوية وأوهاما لامعة.

نعم، إذا كان أمير المؤمنين "عمر بن الخطاب" قد أجاز للجائع أن يشهر سيفه على الناس أفلا يحق على الكتاب والمثقفين والإعلاميين أن يشهروا آرائهم ويصرحون على أن شعوبنا العربية و الإسلامية بحاجة في الوقت الراهن للحرية أكثر من حاجتها للخبز فالبحث عن الخبز بمعزل عن الحرية يتساوى مع بحث الدابة عن علفها و أن يكون مع العمل كرامة حتى لو كان ماسح أحذية، فالحرية  فشجرتها ليس بكثير عليها أن تُروى بالدماء الزكيّة فهي مقصد من مقاصد الرسالات السماوية وهي أكثر من كونها ضرورة للإنسانية جمعاء، لا يمكن الهروب من حالة اليأس والإحباط التي تتسرّب إلى النفوس بسبب فشل الانتفاضات العربية في إطلاق عملية انتقال ديمقراطي ناجع ولا يمكن لوم المواطن العربي خصوصا الذي يئنّ تحت وطأة ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة على فقدانه الثقة بالدعوة إلى الثورات والانتفاضات خصوصا بعد فشل النخب السياسية التي اقتطفت ثمار ما سمي بالربيع العربي في تحسين تلك الظروف كما هو الحال في وطننا المغرب مع حركة 20 فبراير.

شفيشو عبد الإله / فاس

السبت، 17 فبراير 2024

الصفة البرلمانية بين المهمة والمهنة - ياسين شادي

 

الصفة البرلمانية بين المهمة والمهنة

بقلم: ياسين شادي

مقدمة:

    يعتبر وجود برلمان منتخب من قبل الشعب الركن الأساسي للنظام النيابي، إلا أن وجوده في أي دولة في الوقت الحالي لم يعد محلا للنقاش، بل إن النقاش اليوم يتجه نحو البحث عن كيفية تطوير عمل المجالس النيابية لتلعب دورا جوهريا في التطبيق السليم لمبادئ الديمقراطية، لذلك يعد البرلمان من أهم سلطات الدولة القادرة على تحقيق مطالب الشعب نظرا لاعتباره بالنظر إلى كونه يجسد حلقة الوصل بين نسق الحكم وأفراد المجتمع.

    يمر الحديث عن أهمية المؤسسة البرلمانية عبر أهمية أعضائها، إذ يشكل أعضاء المجالس البرلمانية في مختلف الدول الديمقراطية محور العمل السياسي، ذلك أن عضو المجلس البرلماني هو الجزء المعبر عن الكل المندمج في كيان واحد، مع استقلالية الأعضاء في أداء مهامهم المنوطة بهم، لذلك ينبغي على هؤلاء أن يعملوا في إطار دستوري ملائم يرسم الخطوط العريضة ويقرر المبادئ العامة التي تنظم شؤونهم. ومن هنا يأتي الحديث عن مكانة أعضاء البرلمان وكيفية اكتساب الصفة البرلمانية، وهل تعد هذه الأخيرة مجرد مهمة يتم أداؤها أم أن مفهوم الاحتراف يرتقي بها لدرجة المهنة، لاسيما وأن أعضاء البرلمان أكثر تنوعا من بقية السياسيين، باعتبار القبة البرلمانية فسيفساء ديمقراطية تضم جميع النخب والتيارات السياسية والحزبية والتمثيلية للمجتمع.

    في هذا السياق تبرز إشكالية مركزية تطرح سؤال طبيعة الصفة البرلمانية من حيث ماهيتها وأسسها، ومن حيث إجراءات اكتسابها والشروط المنظمة لها، ومن حيث وصفها ونوعيتها بين جدلية المهمة والمهنة.


1- نشأة مفهوم الصفة البرلمانية:

    تعد الصفة البرلمانية مفهوما مركبا يحيل على ذاك المواطن أو الشخص الذي تم انتدابه ليشغل العضوية في المؤسسة التشريعية لمدة معينة، ويمارس بذلك مجموع الاختصاصات الموكولة لأعضاء السلطة التشريعية. بالتالي فهو العضو الذي تم انتخابه ليمثل الأمة أو الشعب ويعبر عن مطالبهم ويساهم في تنظيم الشأن العام من خلال الصلاحيات المتعددة التي يناط له القيام بها، لاسيما منها التصويت على القوانين ومراقبة عمل الحكومة.

    نشأ مفهوم الصفة البرلمانية بنشأة النظام البرلماني البريطاني، هذا الأخير الذي تأسس نتيجة صراع طويل بين الملوك البريطانيين الذين كانوا يطمحون لترسيخ حكم مطلق والطبقة الارستقراطية التي كانت تحرص على صيانة امتيازاتها وتطمع في الحد من سلطات الملك المطلقة.

    والجدير بالذكر أن هذا الصراع انطلق منذ استيلاء الملوك النورمانديين على عرش بريطانيا سنة 1066م ليستمر إلى حدود النصف الثاني من القرن السابع عشر، مخلفا بذلك انتصارات عديدة كان من بينها إصدار وثيقة العهد الأعظم MAGNA-CARTA، وعريضة الحقوق، وقانون سلامة الجسد، وأهم هذه الانتصارات تكريس سلطة البرلمان بمجلسيه (مجلس العموم، ومجلس اللوردات).

    أما فيما يخص التجربة الفرنسية فقد ظهرت الصفة البرلمانية على مستواه بعد ثورة سنة 1789م، والانتقال من الملكية الدستورية إلى الجمهورية البرلمانية، غير أن هذا الوضع لن يستقر إلا بعد تكريس النظام البرلماني في فرنسا ابتداء من سنة 1875م.

    كما أن مفهوم الصفة البرلمانية ظهر في التجربة السويسرية بمجرد أن تأسست الدولة سنة 1848م، مجسدة بذلك الديمقراطية النيابية على الصعيد الفدرالي ضمن البرلمان السويسري الذي يتألف من مجلس الولايات والمجلس الوطني، ومجسدة كذلك للديمقراطية المباشرة على صعيد مجالس الكانتونات.

    أما التجربة المغربية فقد ظهرت الصفة البرلمانية على مستواها من خلال عدة إرهاصات تاريخية، تضمنتها الوثائق والنصوص ذات الطابع الدستوري، على رأسها مشروع دستور 1908م الصادر عن لسان المغرب، الذي تحدث عن ما سماه "منتدى الشورى" المكون من مجلس الأمة ومجلس الشرفاء، وقد نظمت مواد هذا المشروع كيفية اكتساب الصفة البرلمانية وشروط تنظيمها والحالات التي تتنافى ممارستها من قبل مكتب الصفة البرلمانية.

    وبمجرد أن حصل المغرب على استقلاله سعى إلى تكريس الأسس الواقعية للصفة البرلمانية عبر إحداث المجلس الوطني الاستشاري، وهي تجربة بمثابة تمرين ديمقراطي، سعى المغرب من خلالها لترسيخ العمل النيابي كواقع. وفي سنة 1962م سيتم إحداث أول برلمان مغربي بمقتضى الوثيقة الدستورية التي أناطت لأعضاء مجلسيه (مجلس النواب ومجلس المستشارين) ممارسة اختصاصات دستورية تقريرية.


2- الصفة البرلمانية وسؤال الاحتراف:

    في سنة 1919م ألقى المفكر والسوسيولوجي الألماني ماكس فيبر (1864-1920) بجامعة ميونخ محاضرتين، بعنوان: العلم باعتباره حرفة، والسياسة باعتبارها حرفة. وكان همه في المحاضرة الأولى تحديث العلم والتعليم بالجامعات الألمانية، أما في المحاضرة الثانية فقد انصب اهتمامه على مقاربة أسباب هشاشة الأحزاب السياسية في ألمانيا، وآليات علائقها بإدارة الدولة. وفي كلا المحاضرتين كان ماكس فيبر يرى وجوب تقليد التجربة الأمريكية في التعليم والبحث العلمي، كما في العمل السياسي.

وتتأسس وجهة نظره على كون الأحزاب السياسية في ألمانيا تؤسسها -على خلاف الوضع في الولايات المتحدة الأمريكية- ثلاث فئات:

  1. رجال الأعمال؛

  2. الآيديولوجيون؛

  3. أصحاب المهن الحرة.

    وفي سائر هذه الحالات لا يساعد ذلك على ظهور السياسي المحترف، خاصة أن رجالات الأحزاب ومن دون أن يشعروا يصبحون تابعين لبيروقراطية الدولة القوية، أما الايديولوجيين منهم فإنهم يتحولون بالتدريج إلى انشقاق. وإذا ما اختار حزب العمل من خارج السلطة فإنه سرعان ما يهمش أو يصطدم بالسلطة، وفي كل الأحوال تهدد وحدة البلاد وتعم الفوضى، فتلجأ السلطة إلى استخدام الجيش، بتأييد من الشعب، ذلك أن الوضع ينتقل من الخوف من الدولة إلى الخوف عليها. ولذلك يقترح ماكس فيبر المخرج الذي يتمثل في التنشئة السياسية طويلة الأمد، التي تتيحها الأحزاب السياسية الكبرى أو الحزبين الكبيرين كما في التجربة الأمريكية.

    ويظل الفارق قائما بين بيروقراطية الدولة وبيروقراطية الأحزاب، لأنها بيروقراطيات تتجدد ولا تجمد، عبر إقامة الاستحقاقات الانتخابية بشكل متوال وعلى عدة مستويات، كما هو الحال في النظام الفدرالي بالولايات المتحدة الأمريكية.

    من هذا المنطلق يمكن الحديث عن أن الصفة البرلمانية، باعتبارها أحد أهم تجليات الممارسة السياسية كما قررها ماكس فيبر، تتوزع بين مفهومين رئيسيين، الأول يحيل على كونها مجرد مهمة انتدابية محدودة الزمن والأفق، بل وتؤدي إلى نتائج عكسية في كثير من الأحيان، والثاني مفهوم المهنة باعتباره يحيل على الاحترافية Professionnalisme أو المهنية في الفعل السياسي عموما والعمل البرلماني على وجه الخصوص.

    في هذا الصدد يؤكد ماكس فيبر لأهمية القيادة الكاريزمية للسياسي، والقائد الذي تحيطه مجموعة كبيرة ومتجددة من المحترفين، لكن هذا النمط مع دقته إلا أنه قد يؤدي إلى وصول عدد من الشعبويين إلى اكتساب الصفة البرلمانية أو ممارسة العمل السياسي بشكل بعيد عن الاحتراف، ففي الوقت الذي عرفت الدول الأوروبية شخصيات كاريزمية كشارل ديغول وتشرشل الذين التزموا بالانتخابات والقانون وصاروا محترفين سياسيين من خلال الصراع على السلطة وفق الآليات القانونية ومن داخل أحزابهم، عرفت أيضا تجارب أخرى شخصيات مغرقة في الشعبوية مع أنها محاطة بعدد هائل من الخبراء المحترفين، وتظل تجربة الرئيس دونالد ترامب أبرز مثال على هذا الأمر.

    واللافت للنظر أن ماكس فيبر على الرغم من إحاطته بالنموذج الأمريكي وإبداء إعجابه بهذا الأخير إلا أنه أغفل نموذجا مؤسساتيا أكثر تعبيرا ووضوحا على الثنائية الجدلية بين متغيري المهمة والمهنة في علاقتهما بالممارسة السياسية وخاصة في العمل البرلماني، هو النموذج السويسري الذي يضم على مستوى البرلمان الفدرالي عددا من البرلمانيين المحترفين للسياسة الذين يتصفون بالمهنية ويخصصون أكثر من 80% من وقتهم للعمل البرلماني، كما أنهم تدرجوا في العمل السياسي بشكل يؤهلهم للنهوض بالشأن العام الفدرالي. هذا النموذج يضم كذلك ما يصطلح عليه بنظام الميليشيات المعمول به على مستوى الكانتونات في البلديات والإدارات المحلية، حيث يتم دعوة المواطنين إلى تحمل مسؤوليات لفائدة المجتمع في كافة القطاعات ذات الطابع العام. إذ يتم إسناد واجبات ومناصب عمومية لهؤلاء المواطنين بما في ذلك تلك التي تتسم بقدر لا بأس به من الأهمية، لفترات زمنية معينة، ويقومون بأداء هذه المهام على أساس فخري أو مقابل رسوم زهيدة.

    يعود تاريخ اعتماد نظام الميليشيات في النموذج السويسري إلى ثلاثينيات القرن 19م وهي فترة ما سمي بحقبة "نظام الحكم القديم"، حيث تم إدماج نظام الميليشيات في إطار عملية دمقرطة تسميات السلطات الكانتونية، ليتوسع العمل به بعد ذلك في المستويات الثلاث المحلية، الكانتونية والفدرالية. ولازال نظام الميليشيات هذا هو المعمول به في المجالس التشريعية المحلية والكانتونية السويسرية، بل إن البعض يشير إلى أن تزايد حجم العمل المطلوب ونموه باستمرار سيجعل من معطى الاحتراف والمهنية أكثر حضورا، لاسيما وأن أعضاء البرلمان الفديرالي يعرفون أنفسهم كميليشيات، مع أنهم أضحوا ساسة محترفين في الواقع، إذ يخصصون جلّ وقتهم للأنشطة البرلمانية التي يتقاضون مقابلها أجرا لائقا.

    ويستند نظام الميليشات على فكرة مفادها أن الفعل السياسي ما هو إلا عمل إضافي، ذلك أن العديد من أصحاب المهام السياسية في سويسرا يمتهنون عملا اعتياديا ويمارسون السياسة في أوقات فراغهم باعتبارها مهمة إضافية، حيث يترك نظام الميليشيات الحدود بين السياسة والناخبين مفتوحة، في حين يترك الشأن الفدرالي أو الوطني للساسة والبرلمانيين المحترفين الذين يمارسون الصفة البرلمانية باعتبارها مهنة لا مهمة.

    أما بالنسبة للتجربة المغربية، فإن الملاحظ يرى خلطا بين العمل البرلماني كفعل سياسي مهني احترافي، يقتضي تكريس عدد من المعايير والضوابط والآليات، وبين المهام المنوطة لمكتسب الصفة البرلمانية القيام بها كواجبات تقع على عاتقه ويستلزم تطبيقها قدرا من الوعي والمعرفة السياسية.


3- اكتساب الصفة البرلمانية:

    سبق أن أشرنا إلى أن الصفة البرلمانية تعد انتدابا لشخص يتم انتخابه ليمثل الأمة في القبة البرلمانية، وعلى هذا الأساس فإن مسألة اكتساب الصفة البرلمانية رهينة بنتائج العملية الانتخابية التي تنظمها مقتضيات القوانين التنظيمية وباقي النصوص المعيارية الأخرى.

    في هذا الصدد عمل المشرع المغربي على تنظيم شروط اكتساب الصفة البرلمانية على مستوى مجلس النواب من خلال القانون التنظيمي لهذا المجلس، وكذلك فعل فيما يخص مجلس المستشارين. وبالعودة إلى مقتضيات القانون التنظيمي لمجلس النواب نجده ينص على العضوية بهذا المجلس تتم عبر الانتخاب بالاقتراع العام المباشر عن طريق اللائحة، حيث يتوزع الأعضاء المنتخبون على الشكل التالي:

  • 305 عضو ينتخبون على صعيد الدوائر الانتخابية المحلية؛

  • 90 عضوا ينتخبون برسم دائرة انتخابية وطنية تحدث على صعيد المملكة؛

    وتجرى عملية الانتخاب هذه بالتمثيل النسبي حسب قاعدة أكبر البقايا، ودون استعمال طريقة مزج الأصوات والتصويت التفاضلي. غير أنه في حالة انتخاب جزئي أو إذا تعلق الأمر بانتخاب عضو واحد، يجرى الانتخاب بالتصويت العام بالأغلبية النسبية في دورة واحدة. كما أن المشرع اشترط لاكتساب الصفة البرلمانية ضرورة توفر شرط الأهلية في الناخب، وأن يكون هذا الأخير مقيدا في اللوائح الانتخابية العامة ومتمتعا بحقوقه المدنية والسياسية، ومنع إمكانية الترشح للعضوية في البرلمان الأشخاص الذين فقدوا الأهلية بموجب المواد من 5 إلى 10 من القانون التنظيمي لمجلس النواب.

    وقد أناط المشرع بالمحكمة الدستورية اختصاص التجريد من الصفة البرلمانية بمقتضى طلب يقدمه مكتب مجلس النواب أو وزير العدل، أو بطلب من النيابة العامة إذا تعلق الأمر بصدور إدانة قضائية بعد الانتخاب، أو بطلب من كل من له مصلحة في ذلك.

    إضافة إلى أنه يجرد من الصفة البرلمانية كل عضو تخلف عن إيداع جرد بمصاريفه الانتخابية داخل الأجل المحدد قانونا، أو لم يرفق هذا الجرد بالوثائق المثبتة للمصاريف ولم يستجب للإعذار الموجه له من طرف الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات. كما يجرد من الصفة البرلمانية من تجاوز السقف المحدد للمصاريف الانتخابية أو لم يبين مصادر تمويل حملته الانتخابية. في كل هذه الحالات يحيل الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات الأمر إلى المحكمة الدستورية لإعلان تجريد العضو المنتخب من صفته البرلمانية في المجلس المعني.

    وينتج عن اكتساب الصفة البرلمانية التمتع بالحقوق وتحمل الالتزامات المخولة للعضو البرلماني، ويتولى مباشرة اختصاصاته الدستورية وتلك المقررة له في النصوص القانونية الأخرى، سيما منها القانون التنظيمي للمجلس المنتمي له والنظام الداخلي لهذا المجلس. كما أن اكتساب الصفة البرلمانية تمكن العضو من الانضمام لإحدى اللجان البرلمانية والترشح لشغل المهام المتاحة على مستوى الأجهزة والهيئات المشكلة للهيكلة التنظيمية للمجلس البرلماني. إضافة إلى إمكانية الترشح لشغل العضوية في المحكمة الدستورية، والتمتع بالحصانة البرلمانية إذ لا يمكن متابعة صاحب الصفة البرلمانية بمناسة إدلائه برأي أو إبداء سؤال، إلا إذا كان يجادل في النظام الملكي أو إسلامية الدولة أو الوحدة الترابية أو الاختيار الديمقراطي.

    وتجدر الإشارة إلى أن اكتساب الصفة البرلمانية يتنافى مع عدد من الصفات المغايرة، إذ نص القانون التنظيمي لمجلس النواب على أن العضوية في المجلس تتنافى مع:

  • صفة عضو في مجلس المستشارين؛

  • صفة عضو في المحكمة الدستورية؛

  • صفة عضو في المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي؛

  • صفة عضو في الحكومة؛

  • رئاسة مجلس الجهة، أو رئاسة مجلس جماعة، أو رئاسة مجلس العمالة أو الإقليم، أو رئاسة مجلس المقاطعة أو رئاسة مجموعة تؤسسها جماعات ترابية؛

  • مزاولة مهمة عمومية ضمن الشركات التي تملك الدولة أكثر من نسبة 30% من رأسمالها؛

    غير أنه يستثنى من حالات التنافي هذه المأمورية المؤقتة التي تناط للعضو بتكليف من الحكومة ، وأنه بمجرد انتهاء مدة الانتداب يعاد المعني بالأمر تلقائيا إلى سلكه بإدارته الأصلية.

    وما دام سير العمل البرلماني مرتبط بالعهدة البرلمانية، فإن الصفة البرلمانية ليست ممارسة أبدية، بل مقيدة بأجل أو بمدة محددة، تنقضي بنشوء الأسباب القانونية لها. ذلك أن الامتيازات المرتبطة بمكتسب الصفة البرلمانية لا تمنح لذاته، وإنما تمنح على أساس مراكزهم القانونية، مما يعني أن هذه الامتيازات تنتهي بانتهاء العهدة البرلمانية التي انتخب لها العضو البرلماني. وهذا يفيد أن الامتياز أو الحقوق والالتزامات البرلمانية تقترن وجودا وعدما بتولي المنصب البرلماني، وتنقضي بشكل عاديا بانتهاء مدة المجلس المحددة دستوريا، أو بحل المجلس، أو في حالة الترحال السياسي، أو بالوفاة، أو الاستقالة، أو بتولي منصب عام آخر يتنافى وإمكانية الاستمرار بالصفة البرلمانية.

    وفي كل هذه الحالات يترتب عن ذلك شغور المقعد البرلماني، وحتى لا يفقد البرلمان صلاحياته التمثيلية للأمة، يتم استخلاف المقعد الشاغر عن طريق إجراءات محددة قانونا.


4- الإطار القانوني للصفة البرلمانية:

    أعضاء البرلمان لا يستطيعون القيام صلاحياتهم إلا إذا كانوا مؤطرين ضمن هياكل محددة سلفا، وهذه هي الوظيفة التي يؤديها النظام الداخلي للمجلس البرلماني الموضوع من قبل أعضائه، هذه الهياكل التي يمكن تسميتها بالإدارة البرلمانية، إذ تعتبر إدارة عامة للمجلس يتولاها هيئات وأجهزة برلمانية سياسية وإدارية عامة، وتهدف لتحقيق أهداف المصلحة العامة في مجال السلطة التشريعية للدولة، بواسطة عمليات تضمن حسن سير وانتظام اختصاصات التشريع والرقابة والتقييم بالبرلمان، وإنجاز أعمالها وأهدافها بصورة ناجعة وفعالة في حدود أحكام دولة القانون والمؤسسات.

    ولأجل تنظيم وضبط هذه العمليات بمختلف تفرعاتها وما تقتضيه من ممارسة وجب إقرار عدد من المقتضيات القانونية التي تؤطر عمل مكتسب الصفة البرلمانية، وهذه المقتضيات نجدها موزعة بين الوثيقة الدستورية والقوانين التنظيمية للبرلمان والأنظمة الداخلية لمجلسي البرلمان.

    تحتاج الممارسة البرلمانية إلى التقيد بالإجراءات والالتزام بالضوابط على اعتبار أن الصفة البرلمانية المكتسبة بمناسبة العضوية بأحد المجالس البرلمانية هي تكليف يرتب المسؤولية، وأي خرق للنصوص القانونية أو الأنظمة الجاري بها العمل يمكن أن يؤدي إلى فقدان العضوية البرلمانية قبل نهايتها المحددة دستوريا وقانونيا.

    تشمل إجراءات تنظيم العضوية البرلمانية تنصيب الهياكل من أجهزة رئيسية وهيئات وتنظيم سير العمل البرلماني، وبالرجوع إلى الأنظمة الداخلية للبرلمان نجدها نصت على الأجهزة الرئيسية (الدائمة) باعتبارها أساس العمل البرلماني، والتي من خلالها يتحكم الأعضاء في مردود العمل البرلماني. وعادة ما تكون هذه الأجهزة مشتركة لكلا الغرفتين بالنسبة للدول التي تأخذ بنظام الغرفتين (بيكاميرالية)، ولكل جهاز من هذه الأجهزة صلاحيات واختصاصات محددة ضمن الأنظمة الداخلية للمجالس البرلمانية في هذه الدول، ومن بين هذه الأجهزة:

  • رئيس المجلس؛

  • مكتب المجلس؛

  • اللجان الدائمة؛

  • الفرق؛

  • المجموعات؛

  • هيئة الرؤساء؛

    كما تحدد هذه المقتضيات الدورات العادية والاستثنائية للمجلس، وكيفية عقد الجلسات العمومية وعلنيتها ومتى يمكن عقدها بشكل سري، بل وتحدد شكل اللباس القومي، والاستقبالات، والجلسات المشتركة بين المجلسين، والحضور والغياب، وغيرها من المواضيع التي تسهم في ضبط حسن سير عمل المؤسسة البرلمانية.


5- اختصاصات مكتسب الصفة البرلمانية:

    يمارس صاحب الصفة البرلمانية اختصاصات وصلاحيات عديدة، يأتي على رأسها الاختصاص التشريعي، وهي صلاحية تمكن عضو المجلس البرلماني من المشاركة في صناعة النص القانوني، إما من خلال المبادرة عن طريق سلطة الاقتراح، وفق المسطرة المحددة قانونا، وإما عبر المناقشة والتعديل في المشاريع التي تحال على المجلس البرلماني من طرف السلطة التنفيذية، وإما بالتصويت على هذه المشاريع أو المقترحات.

    كما أن مكتسب الصفة البرلمانية يساهم في تجويد المنظومة التشريعية لاسيما من خلال الإحالة على القضاء الدستوري، إذا ما بدا له شك أو ظهر له أن النص المراد إصداره يخالف الدستور صراحة أو ضمنيا.

    وتجدر الإشارة إلى أن دستور 2011 ارتقى بالاختصاص التشريعي من خلال توسيع دائرة المجالات التي يمكن لصاحب الصفة البرلمانية أن يشرع فيها، حيث بلغت 30 مجالا، دون احتساب القوانين التنظيمية التي نصت عليها الوثيقة الدستورية صراحة والتي تصل 21 قانون تنظيمي.

    ويمارس صاحب الصفة البرلمانية أيضا اختصاص الرقابة على عمل الحكومة، وقد قام المشرع المغربي بالنص صراحة على هذا الاختصاص للمتصف بالبرلماني سواء كان نائبا أو مستشارا، وذلك من خلال آليات متعددة كالأسئلة الكتابية والشفوية، والمهام الاستطلاعية، ولجان تقصي الحقائق، وملتمس الرقابة، وملتمس المساءلة، وغيرها من آليات الرقابة البرلمانية على عمل الحكومة التي يرتب على بعضها قيام المسؤولية السياسية.

    إضافة إلى أن مكتسب الصفة البرلمانية يساهم في تقييم السياسات العمومية باعتبار هذه الأخيرة من الاختصاصات التي أقرها المشرع الدستوري المغربي، وأناط ممارستها لأعضاء البرلمان، ولعل أبرز تجسيد لممارسة صاحب الصفة البرلمانية لمهمة تقييم السياسات العمومية هو ما تضمنه الفصل 101 من دستور 2011 الذي ينص على عقد جلسة سنوية لمناقشة السياسات العمومية وتقييمها، كما يتم كذلك عقد جلسة شهرية لتقديم الأجوبة من طرف رئيس الحكومة حول مختلف الأسئلة التي تتعلق بالسياسات المنتهجة بالمغرب.

    وعلى الرغم من أن صاحب الصفة البرلمانية منوط به أساسا القيام بمهام تندرج ضمن التشريع والرقابة، إلا أن المشرع الدستوري أشار ضمن مقتضيات الفصل 10 إلى إمكانية ممارسة صاحب الصفة البرلمانية لمهام دبلوماسية، في إطار ما تم تخويله للمعارضة البرلمانية من إمكانات المساهمة في الدفاع عن القضايا الوطنية العادلة عبر مسمّى الدبلوماسية البرلمانية. وهذه الآلية وإن كانت في أصلها من اختصاص الفاعل الحكومي المكلف بالخارجية، إلا أنها تظل وسيلة موازية للعمل الأصيل الذي يختص به السفراء والقناصلة.


6- ضمانات العضوية البرلمانية:

    يتمتع صاحب الصفة البرلمانية بعد اكتساب عضويته بضمانات نيابية، وهي مجموعة من الامتيازات التي تكفل للنائب/المستشار حقه وحريته في التعبير عن مصالح الأمة. وتنقسم هذه الضمانات الممنوحة لعضو البرلمان إلى قسمين أساسين، الأولى تتمثل في الضمانات القانونية كالحصانة البرلمانية، والثانية ضمانات مادية كالمكافأة البرلمانية نتيجة ما يخصصه صاحب الصفة البرلمانية من وقته للعمل البرلماني، والتمتع بنظام التقاعد بعد نهاية العهدة البرلمانية (بعض التجارب قامت بإلغاء نظام التقاعد البرلماني وبعض التجارب لازالت تعمل به).

    ومن بين أهم الضمانات المادية التي يستفيد منها صاحب الصفة البرلمانية ما يصطلح عليه بالمكافأة البرلمانية أو الامتيازات البرلمانية، وهي مبلغ مالي يعطى شهريا لعضو المجلس البرلماني كتعويض له مقابل تحمله لنفقات العضوية، وذلك ليتفرغ العضو للعمل البرلماني.

    في هذا الصدد يرى أندري هوريو أن الهدف من التعويض البرلماني هو رفع العوز ودفع الإغراء عن النائب وهذا التعويض ضروري، بعد أن أقر الاقتراع الشامل، بحيث أتيح للمواطنين من الطبقات المحتاجة في الأمة أن يصبحوا نوابا.

أما فيما يخص التجربة المغربية فأعضاء البرلمان يتقاضون أجرة شهرية تصل 36 ألف درهم، بما يعادل 432 ألف درهم سنويا يتقاضاها كل نائب، أي أن البرلماني يصل مجموع ما يتقاضاه خلال خمس سنوات 25.920.000,00 درهم. فيما يتقاضى رئيس الفريق في المجلس البرلماني مبلغ 43 ألف درهم في الشهر، ورئيس اللجنة البرلمانية مبلغ 41 ألف درهم في الشهر. وكان تقاعد النائب لا يقل عن 5 آلاف درهم، لكن تم إلغاء العمل بنظام التقاعد في مجلس النواب المغربي.


خاتمة:

تكتسي الصفة البرلمانية طابعا مهما من حيث مكانتها الاعتبارية وتنظيمها القانوني والصلاحيات المنوطة بمكتسبها، الذي تخصص له مجموعة من الضمانات والامتيازات التي تغنيه عن الانشغال عن العمل البرلماني بأي عمل آخر. على هذا الأساس صار من اللازم الانتقال بالعمل البرلمانية من الممارسة العادية للمهام الانتدابية إلى إضفاء الطابع المهني والاحترافي على مكتسب الصفة البرلمانية، وهذا لا يمكن أن يتم دون اقتران اكتسابها بشرطية الكفاءة العلمية والتنشئة السياسية عبر التدرج في تقلد المناصب والمسؤوليات الحزبية، للتمرس على العمل السياسي بالشكل الذي يجعل من صاحب الصفة البرلمانية محترفا ملما بالمسائل الدقيقة دستوريا وسياسيا ومؤسساتيا.


مراجع مختارة:

  • الدستور المغربي لسنة 2011؛

  • القانون التنظيمي لمجلس النواب المغربي؛

  • النظام الداخلي لمجلس النواب المغربي؛

  • ماكس فيبر، العلم والسياسة بوصفهما حرفة، ترجمة جورج كتورة، المنظمة العربية للترجمة، الطبعة الأولى، بيروت، 2011؛

  • محمد الحاج قاسم، القانون الدستوري والمؤسسات السياسية، الطبعة الأولى، سنة 2013.

  • نوال لصلج، مكانة عضو البرلمان في الدساتير العربية: دراسة مقارنة، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في الحقوق، جامعة الحاج لخضر الجزائر، 2015-2016؛

  • Oscar Mazzoleni, Critique et légitimation de la professionnalisation parlementaire en suisse, Boeck superieur, 2006/3, N°75, p 163 à 184.


الاثنين، 29 يناير 2024

حرية الرأي والتعبير بين: الْقَلَــمِ وَالأَلَــمِ

 

حرية الرأي والتعبير بين: الْقَلَــمِ وَ الأَلَــمِ



     بين قوسي: (2021حيث كان العالم يخلد الذكرى السنوية لليوم العالمي لحقوق الإنسان، الذي يصادف 10 ديسمبر من كل سنة، وأنا من وراء القضبان حيث كنت أؤدي عقوبة سجنية بتهمة حرية الرأي والتعبير على إثر تدوينة لي على الفيسبوك بخصوص جائحة كورونا كتبت مقالي هذا من داخل زنزانتي).


عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ:

 

    إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة بباريس في 10 ديسمبر 1948 ينص على أن:(لكلِ شخص حق التمتع بحرِية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرِيته في اعتناق الآراء دون أي تدخل وفي استقاء الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية) المادة 19.


    إن حرية الرأي والتعبير التي تم تكريسها رسمياً في إعلان الأمم المتحدة العالمي لحقوق الإنسان أصبحت العنصر الأكثر إثارة للجدل في الديمقراطية التمثيلية الحديثة على الصعيد العالمي وفي الوقت الذي يتعرض فيه هذا الحق الإنساني الأساسي للتهديد في عدد متزايد من البلدان ووفقاً لـمعهد (أنواع الديمقراطية) شهدت 32 دولة تراجعاً كبيراً في هذه الركيزة الديمقراطية في العام الماضي وبالمقارنة كان عدد هذه الدول قبل ثلاث سنوات 19 فقط وعلى مدى العقد الماضي كانت ثمانية من المؤشرات الديمقراطية العشرة الأكثر تراجعا مرتبطة بِحرية الرأي و التعبير، وفي بلدنا بدأت تختبر حدوده فقد وصلنا إلى مفترق طرق حرج فحرية التعبير أصبحت مهددة بشكل متزايد خاصة في الآونة الأخيرة مع تزايد عدد المُستبدين ومعهم تمت الملاحقات القضائية لوسائل الإعلام المستقلة والناشطين الاجتماعيين حيث بدأت السلطة الحاكمة بمهاجمة وسائل الإعلام المستقلة ونشطاء المجتمع المدني وقامت بمحاولة استقطاب المجتمع من خلال ازدراء المعارضين ونشر معلومات كاذبة.


    إن حرية الرأي والتعبير تعني باختصار ضمان حق الفرد في الإعلان عن أفكاره بالكلام أو الكتابة أو الفن دون قيود ومن أبرز مكوناتها حريات الإعلام والصحافة والاعتقاد والتظاهر إضافة إلى حرية تناقل المعلومات عبر الحدود فهي اليوم إحدى الركائز الأساسية للأنظمة الديموقراطية في كل بقاع العالم علما بأن حرية التعبير المشار إليها أعلاه ليست مطلقة بل لها محددات تهدف إلى منع تهديدها للقيم الديمقراطية، ففي حقيقة الأمر تعد حرية الرأي والتعبير جزء لا يتجزأ من الديمقراطية باعتبار أن التعبير عن الرأي ليس متحررا أو مطلقا كما يعتقد البعض فحريتنا كمجتمع مغربي مثلا هي مقيدة أخلاقيا ودينيا وليست مطلقة تبيح التحرش والزنى والفجر والفسوق فباحترام الفرد لحرية الاّخرين سيجعله يمارس حريته الرأي بوعى ومعرفة وقدرة على تحمل المسؤولية كما لا يجوز للدولة بفرض القيود إلا بنص قانون واضح ودقيق بحيث يسمح لأي فرد متى تكون أفعاله وأعماله مخالفه للقانون والأعراف.


    إن مشكلة حرية الرأي والتعبير في المغرب بدأت تتحول من مشكلة داخلية في المقام الأول إلى قضية عامة هذا التغول يطرح على المراقب المتابع أسئلة كثيرة أولها النظرة المخزنية (بنية الدولة المغربية التقليدية برموزها وطقوسها) لأصحاب القلم؟ ثانيها نظرة النخب الثقافية والصحفية لنفسها وفكرة الدور عندها؟، ما لم يستوعبه المخزن هو أن التمرد عند البعض فيروس غير قابل للمعالجة وأن خرق الفراغ جريمة يبحث عنها عدد كبير من الأحرار في المغرب وخارجه وأن تدجين المؤسسات والأحزاب أحيانا أسهل من تدجين المواهب الفردية هنا تبدو معضلة صاحب القلم غير القابل للاحتواء ليس فقط بعلاقته مع الدولة وإنما أيضا بعلاقته مع الناس فحرية الرأي و التعبير حنين ومشروع  ومن يحتقر رقابة الحاكم لا يمكن أن يخضع لقيود المحكوم، ورغم كل الإجراءات التعسفية والضربات القاتلة وملاحقات مواقع الإنترنت بل والطلب لمحطات تلفزيونية غربية عدم دعوة رموز معارضة سياسية أو أقلام ناقدة كما حصل في إسبانيا مؤخرا يظهر مدى الخوف من عملية تشكل السلطة الرابعة في المغرب، ويمكن القول إن هذا الحصار المدروس ضد حرية الرأي  والتعبير هو المؤشر الأهم على قوتها واتصالها بالناس والفعل الاحتجاجي أي عزمها على ألا تكون شريكا في المنظومة السائدة، وبهذا المعنى لا يمكن أن ترضخ الكلمة الحرة لمصالح وضوابط وقيود مادامت لا تشكل عدوانا غير أخلاقي أي وسيلة تشهير وتزوير بحق الأشخاص والمؤسسات.


    بصفة عامة وبإلقاء نظرة على موروثنا الثقافي يستوقفنا منه رصيد ضخم حول القلم وأدواره ومواقفه تارة كسيف قاطع وأخرى كبلسم شاف وتارة أخرى كمسترزق يلهث وراء التكسب أو مداح لا يفتر عن نظم القصائد العصماء وفي أحيان كثيرة كمغص في حلقوم الحاكم أو صاحب سلطة ومنهم من صنفه تبعا لأدواره التي لعبها عبر حقب زمنية إلى قلم من ذهب أو خشب أو ورق، وحتى لا تكون أحكامنا مطلقة يجب الإقرار بأن القلم في الدول الديمقراطية والبلدان المنفتحة عن الحريات ما زال يحتفظ ببريق وله صولات وجولات في بناء الوعي الجماعي. 

عبد الإله شفيشو/فاس

عربي باي