الثلاثاء، 11 مايو 2021

قراءة في رواية المغاربة للكاتب عبد كريم جويطي - بقلم فهد شيبوب

 

قراءة في رواية المغاربة للكاتب المغربي عبد كريم جويطي

بقلم - فهد شيبوب

قبل قراءة الرواية لابد من قراءة الكتاب وعيونه، ومن بين هاته العيون نجد العنوان الذي يطرح عدة تساؤلات في ذهن القارئ المستكشف لأول مرة ويبعث في داخله الفضول الكبير لسبر أغوار الرواية، كقراءة أولية للعنوان و الذي هو جملة إسمية تتكون من خبر لمبتدأ محذوف مقدر "نحن" أو "هم" كمن تظهر لمحة إنتماء جغرافي "المغاربة"، والتي تدل على الشعب المغربي الذي نحن جزء منه. العنوان بمجمله يجعل القارئ يطرح عدة تساؤلات حول مضمون الرواية، فهل سنلتقي المغاربة ام بعضهم؟ وهل سيتمكن الجويطي من تعريفينا بهم؟

اما بالنسبة للخلفية و التي تحمل لوحة بتوقيع الفنان غويا، فقد كان الكاتب ذكيا وقام بخطوة إستباقية حيث أنه قرأ ما يعتمل داخل القارئ وعبر عنه في غلاف الكتاب، مما يزيد من تشويق القارئ ويدفعه إلى الإسراع في سبر أغوار الرواية.

يجدر الإشارة إلى كون الكاتب من مواليد 1962 ببني ملال عمل مديرا جهويا بوزارة الثقافة، صدرة له عدة اعمال من بينها "ليل الشمس" و"زغاريد الموت" 

تتحدد رواية المغاربة للكاتب المغربي عبد الكريم الجويطي في 399 صفحة، موزعة على 33 فصلا بعضها معنون والآخر يقترح على القارئ الإختيار بين إمكانيتين للعنونة، تبدأ سطور الرواية الأولى من مدينة بني ملال في الفترة الممتدة من أوائل القرن 18 حتى أواخر القرن الماضي، هناك تبدأ معاناة الفتى محمد الغافقي مع رهاب العمى، حيث أن طفولته وسمتها إصابة عينيه بمرض يهددهما بالعمى، ومحاولة جده تجنيبه هذا المصير عبر زيارة موسم ديني وتجريب طميه المقدس كعلاج غير أن ذالك لم ينفع. سيموت الجد بسسب إنتزاع بستانه منه بتجاوزات من السلطة، وسط هذا الإضطراب سيعود من الصحراء المغربية الأخ الأكبر (العسكري) معطوبا إذ انفجر في وجهه لغم أرضي فسبب له جسديا عاهة عرج مستديمة، وأزمة نفسية كادت تجهز على حياته منتحرا في أحد المستشفيات، سيبدأ العسكري في كتابة ما وقع له من خلال شذرات تنضح ألما، كما سيأخد على عاتقه ومثلما كان يفعل الجد مهمة إنقاذ أخيه من العمى، لكن هو الأخر سيفشل في ذالك. 

سينشغل محمد الغافقي بعماه القادم، في محاولة إنقاذ نفسه، ووسط هذا الواقع القيامي الغريب سيتم إكتشاف مقبرة جماعية لجماجم بشرية بدون هياكلها، والتي كان عددها مثير للشك ستضعنا أمام افتراض حدوث إبادة جماعية، هذه المقبرة ستدفع السلطات لجنة لتقصي في أمرها، وهي اللجنة التي ستسلمنا لحكاية الخبير الأركيولوجي الاعمى، الذي سيكشف لنا وقائع من سنوات الرصاص، حيث أن الأجهزة الأمنية ستقتل والده وتدعي بأنه انتحر، مما سيتسبب في موت والدته وجنون أخته. 

تنتقل بنا الرواية إلى سن 21 حيث سيصاب محمد بالعمى مما سيقلب حياته رأسا على عقب، وفي خضم هذه المعانات سيعيش حدثين سيغيران مجرى حياته، الأول حيث سيتم استدعاءه ليصبح الى جانب مجموعة من العميان. مؤنسا للباشا طه إبن الباشا عبد السلام، وحفيد القايد فالباشا بوزكري الذين طبعا زمنا عنيفا من الشطط والإستهتار والهلوسة والتسلط والفاس، ليكتشف في الأخير تعرضه للخذاع، أما الحدث الثاني وقوع محمد في حب صفية خادمة الجيران، هذا الحب سيدفعه إلى طلب المساعدة من حسن السمسار، أحد زملائه في المجلس بمرافقته إلى واد ايت بوݣماز للظفر بصفية، هذا الأخير سيخونه وفي غفلة من أمره سيتخد منها زوجا له، هذه الخيانة القاسية ستدفع محمد إلى القيام بمجموعة من المحاولات لإستعادة محبوبته، آخر هذه المحاولات ستؤدي إلى نشب صراع بين الأعميين سينتهي بهما مرميين داخل سيارة إسعاف. وهو المشهد الذي تنتهي به الرواية في استرجاع دائري أو حلزوني، حيث تصور لنا حسن وقد فارق الحياة ومحمد شبه ميت، وهو يتحسس جسده ولا يفرق بين دمه ودم غريمه وكل شيء يتلاشى أمامه.

لقد كشفت رواية المغاربة عن فهم عميق لقضايا المغرب، و لإشكالية العمى، ذاك العمى الذي يجعلنا لا نرى الاشياء التي يجب أن نراها. ومن تجاليات العمى في الرواية:

  • العمى البيولوجي: كفعل إرتكام مجازي بالعالم.
  • العمى الرمزي: الذي يقودونا إلى الارتطام بالحائط من دون ان ندرك ذالك.
  • العمى التاريخي: الذي يجعلنا لا ندرك التاريخ.
  • العمى السياسي: الزواج المشؤوم للعقار بالسياسة 
  • عمى ترك التقاليد تشل طاقاتنا وتحجب عنا المستقبل وتسجننا بالماضي.

كما نلاحظ انه الرواية يطغى عليها حضور قوي لتيمة المخزن، بل قامت بتأريخ وتتبع كرونولوجي لهذا المفهوم و الاستراتيجيات التي يتبناها هذا الأخير :

  1. استراتيجية التدجين (البرقيات)
  2. استراتيجية الإغواء (مزاحمة الأرامل في الهبات و غيرها)
  3. استراتيجية المماطلة (عنف و اذلال..)
  4.  استراتيجية فرق تسد 

وفي الختام يقول جويطي حول رواية المغاربة "هي ترفع عن كل حصر زمكاني للرواية، عبر الاعتراف بالانسان بمنوط عن المكان" ويقول "المدينة الحقيقة هي التي تقتل كل روابط الدم وتعلي رابط المكان وبأنه يجب على المدينة أن تكون مضيافة لأهلها".

من بين الاقتباسات المهمة بالرواية نجد قول الكاتب: "فيركن مهمل من روحي تتجمع كل الدوافع، والشهوات والأحلام التي فقدتها، كما تتجمع خردة لا طائل من وراءها. هنا ترقد عدة غزو للحياة لن يتم أبداً : سيوف شهوات لن تبرح أغمادها ، رماح قوى صدئة تتكئ من الـوهـن على بعضها، خوذات أحلام مدحورة، ودروع مشاعر بريئة ومتفائلة تجاه الحياة أهيل عليها التراب" .

اعلان 1
اعلان 2

0 التعليقات :

إرسال تعليق

عربي باي