تساؤلات على هامش المرأة والوردة لمحمد زفزاف
بقلم: فاطمة الزهراء المناني
بادئ ذي بدء أشير إلى أن هذا العمل السردي ينتمي إلى المدرسة الواقعية في الأدب؛ الشيء الذي نستشفه من الوهلة الأولى إذ يحتج الراوي عن غياب العدالة الاجتماعية حينما يقول "تسيرنا أقلية من المغامرين وبائعي نسائهم فيبنون الشركات ويستثمرون الأموال ..." ثم يستطرد في تصوير رحلة البحث عن الخبز بشكل صريح من الدار البيضاء إلى طنجة، ومن طنجة إلى إسبانيا، وخلال هذه الرحلة يعالج زفزاف موضوعات اجتماعية أكثر عمقا من الهجرة من أجل الطموح المادي فقط؛ بل هناك سعي للتحرر من القيود وتفريغ الكبت الذي يعانيه الفرد العربي باسم الدين والأعراف والقانون. ولعل هذا ما قصده حينما قال "لماذا يفتعل الإنسان أخلاقا يرغب في طرحها ونبذها".
كما يعبر عن أزمة المثقف الذي لا يجد ملاذه في وطنه فيهاجر بحثا عن كيانة وإنسانيته واحترامه المسلوبان. ويأتي في سياق الرواية تجسيدا لهذه الأزمة: عندما يقول جورج لمحمد (أ كل هذه الكتب التي قرأتها لا يمكنها أن تطعمك اليوم؟) فهل سيجد محمد ذاته في إسبانيا حقا أم أنه وهم المثالية الغربية التي آمنا بها جميعا دون نقاش؟
بالإضافة إلى تيمة المرأة الحاضرة بامتياز منذ أن حمل زفزاف القلم من العنوان وإلى آخر كلمات خطها في هذا الانتاج السردي وهي رسالته إلى عشيقته سوزي؛ المرأة التي شكلت للكاتب ملجأ آمنا ووسيلة لتحقيق الذات والقيمة المفقودة.
خصوصا وأن الأجنبيات يبحثن في الرجل العربي عن الفحولة والدفء دون أي التزام مادي أو قيد اجتماعي أو أعباء زواج.
كيف يمكن أن تكون تفاوتات بين المرأة و المرأة أقصد العربية والغربية؟ ولماذا لا يتحقق لمحمد ذلك الإشباع الروحي والجنسي مع بنات وطنه ؟
كذلك تميزت هذه الرواية بطبيعة شخوصها الصعلوكية فجميعها تتصف باليأس والشذوذ والعقد والتقهقر حتى الحراس والعسس كانوا على انحراف أخلاقي بين. أما الفضاء المكاني للرواية: كان يعكس تماما توجه الشخصيات في الحياة فقد كانت جلها إما عبارة عن حانات ليلية أو مقاهي تعاطي المخدرات أو فنادق رخيصة يرتادها اللصوص والماكرين كما جاء على لسان صاحبة الفندق نفسها. أو أماكن مفتوحة مثل الشاطئ وبعض الزوايا فيه المشبوهة وأحيانا قليلة كانت تدور الأحداث في بيت سوزي.
أما عن اللغة فقد تميزت ببساطة المعجم والسبك مع الجرأة في التعبير التي كادت تعد وقاحة حسب البعض، نقلت لنا تجربة محمد الإنسانية بصدق أحاطت بكل مغامراته الجنسية والتهريب والتعاطي للمخدرات وهواجسه النفسية التي تمثلت في اللامبالاة إلى حد العبث أحيانا.
ألا يمكن للكاتب في مكان زفزاف أن يعالج موضوعاته بأسلوب محتشم؟ أم أن تعرية الواقع تتطلب بالضرورة تعرية اللغة؟
وهل قدمت لنا الرواية حلولا لهذه الظواهر الإجتماعية؟ أم أنها اكتفت ببسطها أمامنا لنتأمل في الدوافع؟ كما جاء في المحاكمة الوهمية الواردة في ص 117.
يقول الشرطي: "-المحاكم الحقيقية لا تنظر في دوافع الأفعال لكنها تنظر في النتائج فقط، نحن سوف نتجاوز الآن هذا لأن محكمتنا التاريخية هذه يجب أن تكون من نوع خاص. وعليه فإننا الآن ننظر في الدوافع الرئيسية للجريمة [........]
-سوف نصدر الأحكام وفق نتائج الدراسة وسنتجاهل في النهاية الجريمة كجريمة في حد ذاتها أي الفعل بحد ذاته فعل.
يردف محمد ويقول- هذا شيء جميل، لأن الفعل ما هو إلا مجرد فعل؛ فالقتل فعل والتغوط فعل والأكل فعل والمجامعة فعل والمشي فعل." هنا يقارن ويساوي بين كل أنواع الفعل بنفحة فلسفية.
وكأن زفزاف من خلال هذه الحوارية يحاول أن يدعونا للنظر إلى ما وراء الأفعال ويصرفنا عن النبش السطحي في نتائج الجريمة، التي لا تعطي أي اعتبار للدوافع والظروف التي تصنع الفرد وشخصيته، تصنع الذي يأكل وينام، والذي يقتل ويجرم. الدوافع التي تجعل من هذه الفئة مدنبة ومنبوذة وفقيرة وأمية ومهمشة.
إنها تساؤلات إشكالية ينتظر منا زفزاف التأمل فيها، وإعادة قراءة الواقع على غرارها.
0 التعليقات :
إرسال تعليق