الثلاثاء، 6 أبريل 2021

التأويل الدستوري الإطار النظري والأدوار العملية

 

التأويل الدستوري
الإطار النظري والأدوار العملية

                  ياسين شادي


تعتبر الوثيقة الدستورية أسمى القواعد المعيارية في التدرج الهرمي للمنظومة القانونية، ما يفرض ضرورة احترام القواعد الأدنى درجة لمقتضيات هذه الوثيقة، سواء تلك المعبر عنها صراحة أو تلك المستفادة من روح الدستور الدّالة على إرادة المشرع الدستوري وتوجهه. ولما كانت المحافظة على تراتبية القواعد القانونية أمرا لازما لا محيد عنه، كان من اللازم إحداث هيئة أو جهاز يُعنى بالنظر في مدى مطابقة النصوص القانونية للقواعد الدستورية، وهو ما يجسده القضاء الدستوري، هذا الأخير نشأ وفق نمطين مختلفين وبين مدرستين متباينتين، الأولى أنجلوساكسونية في سياق نازلة مشهورة يطلق عليها تسمية "قضاة اللّيل"، والثانية أوروبية وتعد التجربة الفرنسية أبرز نماذجها. أما على مستوى المغرب فإن نشأت القضاء الدستوري ستتخذ مراحل مختلفة، إذ شهدت التجربة المغربية إرهاصات أولية تضمنتها مجموعة من المشاريع الدستورية التي لم يكتب لها التبني والاعتماد لاسيّما الإشارات الدقيقة التي نصت عليها مقتضيات مشروع دستور 1908، الذي أناط بمجلس الشرفاء مهمة مراقبة وفحص مدى دستورية القوانين واللوائح الصادرة عن مجلس الأمة (في إطار ما سمي آنذاك بمنتدى الشورى). غير أن الممارسة العملية للقضاء الدستورية في طابعه الرسمي لن تبدأ إلا مع إقرار دستور 1962 الذي نص على إحداث غرفة دستورية ضمن أروقة المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا)، ولم يستقل القضاء الدستوري عن التنظيم القضائي العادي للمملكة إلا مع دستور سنة 1992 وذلك بإحداث المجلس الدستوري، ليكرس بعد ذلك المشرع الدستوري هذه الاستقلالية من خلال الارتقاء بالقضاء الدستوري من مجلس إلى محكمة دستورية في دستور سنة 2011. واللاّفت للنظر، أن القضاء الدستوري لا طالما مارس -على طول هذا التاريخ الدستوري- مهمة في غاية الأهمية تتمثل في التأويل الدستوري، باعتباره أحد أهم السّمات المميزة لهذا النوع من القضاء.

في هذا السياق تبرز إشكالية مركزية تروم فهم وتحليل طبيعة التأويل الدستوري وتتحدد في طرح سؤال الدور الذي يلعبه هذه المفهوم في التأثير على انتظام المؤسسات وتطور النظام السياسي والدستوري المغربي.

ولمحاولة الإجابة عن هذه الإشكالية المركزية سنقسم الموضوع لمحورين أساسيين، حيث سنتطرق في المحور الأول للإطار النظري للتأويل الدستوري وذلك من خلال التركيز على بيان مفهومه والوقوف عند مقارباته النظرية، لنتحدث في المحور الثاني عن الدور الذي يلعبه التأويل الدستوري في علاقته بالمؤسسات الدستورية وذلك عبر بسط مجموعة من التطبيقات العملية.

المحور الأول: الإطار النظري للتأويل الدستوري

يعد التأويل من المفاهيم التي يكثر استعمالها وتداولها، إذ يلجأ لتوظيفها عدد من الفاعلين في الحقل السياسي، كما يعتمدها الفاعل الأكاديمي، إضافة إلى كونها من المفاهيم المرتبطة بشكل وثيق بالقضاء خاصة القضاء الدستوري. على هذا الأساس كان من اللازم أن نقف عند التحديد المفاهيمي لهذا المصطلح، وبسط مختلف الأسس النظرية التي تؤطر هذا المفهوم.

يحتل مفهوم التأويل الدستوري أهمية بالغة تضعنا أمام ضرورة بيان معناه على المستويين اللغوي والاصطلاحي، ذلك أن مفهوم التأويل تطرقت له العديد من الكتابات والمؤلفات التي حاولت تحديد ماهيته وإيضاح دلالته، إذ ذهب أهل اللّغة إلى القول بأن التأويل هو محاولة لتفسير النص، غير أن هذا الربط بين التأويل والتفسير غير دقيق، على اعتبار أن التأويل إنما ينصبُّ على الجمل والمعاني، في حين أن التفسير يستعمل في الكلمات والمفردات، وبالتالي فالتأويل أعمّ وأشمل من التفسير. والتأويل يحيل على اختيار معنى محدد، من بين ما يثيره النص من معان متعددة، سواء كان راجحا أو مرجوحا، المهم أن يعضضه دليل. والذي تجدر الإشارة إليه أن لفظة التأويل قديمة الاستعمال، إذ نجد في الأثر أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لابن عباس فقال: "اللّهم فقهه في الدين اللّهم علمه التأويل" (انتهى). فدلّ ذلك على أن التأويل ميزة يختص بها أهل العلم تفوق درجة معرفية وفقهية معينة، فالذي يمارس التأويل ليس فقط فقيها وإنما بلغ درجة أعلى تؤهله لمزاولة مهمة التأويل. إن التأويل الدستوري مهمة تمارس من قبل جهات متعددة (الملك، المحكمة الدستورية، الأحزاب السياسية، المشرّع، الفقه...)، وهو يعني قول شيء من شيء أو احتمال يسنده دليل ويصير بموجبه أغلب على الظن من المعنى الظاهر للنص. ولا ريب أن القضاء الدستوري من أبرز المؤسسات المعنية بالتأويل الدستوري، لأن التأويل يمثل الوسيلة الأساس التي تضمن استقرار الدساتير وثباتها، وهو كما يصفه دومنيك روسو "التأويل يقع في صلب عمل القاضي الدستوري"، ولأنه السبيل الوحيد الذي يمكِّن من استيعاب النصوص المحدودة للوقائع غير المتناهية. وفي هذا يقول جون مارشال "إنه من المؤكد أن ميدان وواجب القضاة بيان ماهية القانون. هؤلاء القضاة الذين يطبقون القانون على قضايا معينة يجب عليهم شرح وتفسير ذلك القانون، وإذا كانت آراء الغالبية من الفقة الدستوري وعبارات المحاكم والمجالس الدستورية تنصرف في معنى التأويل الدستوري إلى بيان المعنى الحقيقي للنص، فإنني أرى أن طبيعة وهدف القضاء الدستوري الحديث والمتطور من عملية التأويل/التفسير تمكننا من استعمال عبارة المعنى الملائم meaning Proper أكثر من المعنى الحقيقي meaning Real ."

يمارس القضاء الدستوري التأويل عبر طريقتين أساسيتين، الأولى بتأويل مباشر وذلك بمناسبة طلب من جهات محددة أو في حالات معينة لعل أبرز مثال منها هو البت في الخلاف الناشئ عن دفع الحكومة بعدم القبول التشريعي، وحالة تغيير النصوص التشريعية من حيث الشكل بمرسوم، وغيرها من الأمثلة التي تجعل القاضي الدستوري يمارس التأويل الدستوري بشكل مباشر. أما الطريقة الثانية وهي التأويل غير المباشر، حيث يلجأ القضاء الدستوري إلى تفسير نصوص الدستور وتأويلها بطريقة غير مباشرة بمناسبة تصدّيه لمختلف القضايا  المعروضة  عليه،  خاصة  منها  القضايا  المتعلقة  بمراقبة  الدستورية (الإجبارية-الاختيارية) أو المنازعات  الانتخابية. غير أن هذه العملية تظل مرتبطة بآجال محددة والتي تتمثل في شهر يمكن تخفيضه إلى ثمانية أيام في حالة الاستعجال بناء على طلب من الحكومة فيما يخص الرقابة الدستورية على القوانين، وأجل سنة في المنازعات الانتخابية، إلا أن هذه الآجال يسع المحكمة الدستورية –وهو ما كرّسته فعلا عبر مجموع اجتهاداتها- الاستجابة لها كما يمكنها عدم الاستجابة لهذا الطلب إذا رأت المحكمة الدستورية أن الأمر غير ممكن، ذلك أن الأجل ليس هدفا في حد ذاته إنما ضمان جودة القرار الصادر هو الهدف الأساسي.

والذي تجدر الإشارة إليه أن التأويل كما يتخذ شكلا مباشرا أو غير مباشر، فهو يتخذ شكلا آخر يتجلى في التأويل التحفظي، الذي ينقسم بدوره لأنماط ثلاث تتمثل في التأويل التحفظي المعطّل، التأويل التحفظي البنّاء والتأويل التحفظي الموجّه، وهي تقنيات مهمة يعتمدها القاضي الدستوري في معالجته للنصوص القانونية المعروضة عليه.

ولعل ما يميز التأويل الذي يمارسه القضاء الدستوري للدستور هو كونه منضبط بالعديد من المبادئ المؤطرة لمجاله، التي تضع الضمانات العادلة الكفيلة بمنع الشطط في استعماله. هذه المبادئ يمكن إجمالها في: الاستقلالية، الحياد، الكفاءة، التجرد، التجربة، النزاهة، المصداقية والتوازن.

إن التأويل الدستوري ليس مجرد عملية عشوائية أو اعتباطية، وإنما هو منهج يتأسس على مجموعة مرتكزات ومقاربات نظرية تؤطر هذه الممارسة، وهو ما يعبر عنه بعض الباحثين بالتأويل أو التفسير النصي القصدي وغير القصدي، التأويل الواقعي، التأويل البراغماتي، التأويل البنيوي، التأويل التاريخي، التأويل الهيرمينوطيقي والتأويل الهوياتي. وهي مقاربات محددة ومؤسسة لهذه العملية يعتمدها القاضي الدستوري حسب كل حالة وما تستلزمه من مقاربة، بما يسهم في انتظام عمل المؤسسات الدستورية ويساعد على تطور النظام السياسي وعدم هدر الزمن التشريعي.

المحور الثاني: التأويل الدستوري وسؤال الدور

يلعب مفهوم التأويل الدستوري أدوارا مهمة تنعكس إيجابا على النظام الدستوري والسياسي، إذ يسهم التأويل الدستوري من خلال ما يصدره من قرارات واجتهادات تحمل في طياتها زخما كبيرا من المبادئ والمفاهيم في تطوير النظام السياسي المغربي، كما أن تصدي القضاء الدستوري لفحص النصوص القانونية ومراقبة مدى تطابقها مع الوثيقة الدستورية من خلال ما يحال عليه والطلبات التي تعرض عليه تسهم هي الأخرى في تكريس انتظام عمل المؤسسات، سواء على المستوى الداخلي لهذه المؤسسات (فيما بين أجهزتها وهيئاتها، البرلمان مثلا) أو في علاقتها مع غيرها، ما يرسخ للاستمرارية وحسن سير العمل في هذه المؤسسات ويحول دون عرقلتها في أداء مهامها.

يُعنى القضاء الدستوري عبر ممارسته للتأويل الدستوري بالنظر في ما يحال عليه من مقتضيات قانونية فيعرض بمناسبتها لبيان ما غمض منها، تقييد ما كان مطلقا، وتوجيه النص وفق ما يراه مناسبا مع إرادة المشرع الدستوري وما يتوافق والثوابت الدستورية لاسيما منها الاختيار الديمقراطي، أو يرفضها ويعيدها للسلطة التشريعية لكونها مخالفة أو غير مطابقة للدستور. فهو بهذه العملية يعتبر حارس السمو الدستوري والمساهم الأكبر في انتظام عمل المؤسسات خاصة البرلمان والحكومة. فالقاضي الدستوري يؤثر من خلال قراراته التي شكلت في كثير من الأحيان نقطة تحول في التفاعلات الحاصلة على مستوى النسق السياسي، بل إن عددا من الاجتهادات التي أصدرها القضاء الدستوري المغربي تم تبنيها في التعديلات الدستورية اللاحقة عليها، ما يؤكد أن التأويل الدستوري يؤثر في تطوير النظام السياسي المغربي، ولعل أبرز مثال على هذا الأمر ما كرسه القضاء الدستوري من اجتهادات أدت في نهاية المطاف لدسترة لجان تقصي الحقائق وإحداث اللجان الفرعية لتعميق دراسة النصوص التشريعية وإحداث السؤال الآني والسؤال الذي تليه مناقشة.

إن علاقة القضاء الدستوري بانتظام المؤسسات بيّنة وظاهرة لا تحتاج كبير عناء لإثباتها، ذلك أن القضاء الدستوري مرتبط وجوده بإيجاد الحلول المناسبة للمشاكل والقضايا المعروضة عليه، بما يخدم دولة الحق والقانون ويروم استمرار وانتظام عمل المؤسسات. على هذا الأساس فإن القضاء الدستوري لا يقف عند حدّ المعاني الظاهرة من النصوص الدستورية بل يراعي مآلات التطبيق وما ستفضي إليه من نتائج، الأمر الذي يفرض عليه الاستعانة بآلية التأويل الدستوري التي تمكنه من مراعاة المبادئ الكبرى وضمان تحقيق المصالح الأساسية المتمثلة في استمرارية المؤسسات وانتظامها.

لقد نص المشرع الدستوري على أن البت في مراقبة الدستورية محدد في أجل شهر يمكن تخفيضه لثمانية أيام في حالة الاستعجال، وعلى الرغم من أن النص لا يتضمن ما يوجب على القضاء الدستوري الاستجابة الفورية لهذا الطلب - ما يفيد إمكانية عدم الاستجابة- إلا أنه لا طالما كرّس عبر اجتهاداته للتعاطي الايجابي مع هذا الطلب الحكومي، وذلك مراعاة لحالة الاستعجال التي قد يؤدي عدم أخذها بعين الاعتبار إلى التسبب في عدم انتظام السير العادي للمؤسسات.

لقد درج القضاء الدستوري المغربي على اعتماد تقنية التأويل التحفظي الذي أشرنا آنفا أنه ينقسم إلى موجه ومعطل وبنّاء، وتتحدد الغاية من الاستعانة بهذه التقنية التأويلية في إنقاذ النص التشريعي من الإلغاء، إذ يعتمد القاضي الدستوري قرينة الدستورية بالنسبة للنص المحال عليه، ولذلك لا يقضي بإلغاء النص إلا إذا بدآ له أنه مخالف بشكل صريح للدستور. ولهذا فإنه يذهب في القضايا التي تحتمل التصريح بالدستورية من عدمها لاعتماد تأويل تحفظي، يقضي بموجبه بدستورية النص في أصله ويردفه بتأويل موجه أو معطل أو بنّاء، ينقذ النص التشريعي من الإلغاء الذي يفرض إعادة المسطرة التشريعية برمتها، وبالتالي إهدار الزمن التشريعي، وعليه فممارسة القضاء الدستوري لتقنية التأويل التحفظي تسهم في انتظام عمل المؤسسات وتساعد في عدم إهدار الزمن التشريعي.

ويبرز دور التأويل الدستوري الممارس من قبل القضاء الدستوري في انتظام عمل المؤسسات من خلال اعتبار استمرارية العمل ضمن هذه الأخيرة مبدأ ذا قيمة دستورية، حيث اعتمده القضاء الدستوري المغربي في غير ما قرار، ليكرس بذلك منهجا خالصا يمكن استخلاصه من النظر في التطبيقات المختلفة التي جرى بها العمل. فإذا استحضرنا مثلا النظام الداخلي لمجلس النواب لسنة 1995 الذي تمت إحالته على المجلس الدستوري للتصريح بدستوريته، حيث نصت المادة 99 منه على أنه "إذا لم تحضر الأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس عند افتتاح الجلسة المسجلة فيها قضايا تستوجب التصويت يرفع رئيس الجلسة لمدة ساعة"، وحيث أن هذه المادة لم تبين ماذا سيكون عليه العمل بعد استئناف الجلسة التي توقفت لمدة ساعة كاملة، فإنه لا يعلم ما ستؤول إليه الأمور في المجلس في هذه الحالة ومن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى تعطيل العمل داخل المجلس وإعاقته عن مباشرة صلاحياته، ما اعتبره القضاء الدستوري إغفالا تشريعيا يستوجب التصريح بعدم دستورية هذه المادة، لكون إقرارها يمس بانتظام السير العادي لعمل المؤسسة التشريعية.

وفي مثال آخر نصت المادة 5 من النظام الداخلي لمجلس النواب على أن انتخاب رئيس المجلس يكون في دورة أكتوبر من السنة التشريعية الأولى، وهو ما سيؤدي إلى هذا الإجراء بدورة أكتوبر فقط، ويؤدي الالتزام به إلى تعطيل تشكيل أجهزة المجلس وقيامه بالأعمال المنوطة به رقابيا وتشريعيا في الحالة التي تستهل فيها الفترة التشريعية في دورة أبريل، على إثر انتخاب مجلس نواب جديد بعد حل سلفه. على هذا الاعتبار ومراعاة لمبدأ انتظام المؤسسات في عملها وعدم تعطيلها، صرح المجلس الدستوري بعدم دستورية تقييد انتخاب رئيس المجلس بدورة أكتوبر، بسبب أنه قد يتفق -في حالة انتخاب مجلس النواب بعد حل سلفه- أن تستهل ولاية المجلس الجديد في بداية أو أثناء دورة أبريل، ولا يمكن في هذه الحالة أن يظل مجلس النواب، المنتخب قبل التاريخ المقرر لافتتاح دورة أبريل أو خلال المدة المقررة لهذه الدورة، معطلا في انتظار حلول دورة أكتوبر ليقوم بتشكيل أجهزته.

إلى جانب هذه الأمثلة الدّالة على التأثير الكبير الذي يمارسه القضاء الدستوري عبر مباشرته لآلية التأويل الدستوري على انتظام وحسن سير عمل المؤسسات، ثمة أيضا مجموعة من التطبيقات التي تدل على مساهمة التأويل الدستوري في الحفاظ على إرادة المشرع الدستوري ومساهمته بذلك في ضمان السمو الدستوري. ويبقى مثال اللائحة الوطنية (التي نصت المادة الأولى من القانون التنظيمي لمجلس النواب على إحداثها) أحد أهم الأمثلة التي يمكن بسطها في هذا الصدد، حيث إن هذه اللائحة الوطنية تخصص للنساء 60 مقعدا و30 مقعدا آخر للشباب بما مجموعة 90 مقعدا، ما يشكل مخالفة صريحة لعدد من المبادئ الدستورية التي تتمثل أساسا في المساواة، تكافؤ الفرص، مكافحة كل أشكال التمييز، حرية الانتخاب والترشيح القائم على أساس نفس القواعد والشروط. وبالنظر إلى كون الدستور يؤكد على السعي  إلى  تحقيق  مبدأ  المناصفة  بين  الرجال  والنساء،  وتشجيع  تكافؤ الفرص  بين  النساء  والرجال  في  ولوج  الوظائف الانتخابية، وتوسيع  وتعميم  مشاركة  الشباب  في التنمية السياسية للبلاد؛ فإن القاضي الدستوري اعتمد تأويلا تركيبيا يراعي كافة المبادئ الدستورية ويضمن التكامل والتوفيق بين سائر هذه المبادئ الدستورية، فأقرّ العمل بهذه اللائحة الوطنية وبرر الإجراءات الخاصة بالنساء والشباب بكونها استثنائية وتندرج ضمن ما سماه "التمييز الايجابي"، الذي من شأنه أن يؤدي إلى تثمين مشاركة هذه الفئة في العمل السياسي وتوطيد عمل المؤسسات الدستورية من خلال تشجيع النساء والشباب على الولوج للوظائف الانتخابية. ومعنى ذلك، أن تدابير التشجيع والتحفيز تلك، أملتها دواع  مرحلية  ومؤقتة  ترمي  بالأساس إلى الارتقاء بتمثيلية فئات معينة، وينبغي أن  تكون تدابير استثنائية محدودة في الزمن يتوقف العمل بها بمجرد تحقق الأهداف التي برّرت اللجوء إليها.

وبهذا يتأكد دور التأويل الدستوري في إيجاد الحلول للقضايا العويصة والصعبة التي تحال على القضاء الدستوري للنظر فيها، فهو دور بارز ومهم يرمي إلى تطوير النظام السياسي، تكريس انتظام وحسن سير عمل المؤسسات، وخلق مفاهيم ومبادئ جديدة ذات مضمون ديمقراطي تتوافق وروح الدستور وإن خالفت في بعض الأحيان ظاهر النص الدستوري، فإن التأويل كفيل بتجاوز هذه المخالفة أو التعارض الظاهر وإقامة معطى التوفيق وتكريس التكامل بين مختلف النصوص والمبادئ والمقتضيات الدستورية.

 

مراجع أساسية:

      رشيد المدور، تأويل الدستور: دراسة تطبيقية على اجتهادات القضاء الدستوري في المغرب، مجلة القانون الدستوري والعلوم الإدارية، العدد الأول، أكتوبر 2018.

      رشيد المدور، دور القضاء الدستوري في انتظام المؤسسات وتطورها، القضاء الدستوري في سياق ما بعد 2011: المرجعيات والاجتهادات، مجلة السياسات العمومية، عدد28، سنة 2019.

      محمد اتركين، الدستور والدستورانية، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى، سنة 2007.

      المجلس الدستوري، الجامع لمبادئ وقواعد القضاء الدستوري المغربي، مطبعة الأمنية، الرباط، الطبعة الأولى، سنة 2015.

      نعمان أحمد الخطيب، تفسير نصوص الدستور: دراسة مقارنة، دراسات علوم الشريعة والقانون، عدد 3، سنة 2019.

اعلان 1
اعلان 2

0 التعليقات :

إرسال تعليق

عربي باي