الخميس، 10 يونيو 2021

ميدالية مبللة - عبدالله أطويل

 ميدالية مبللة


🖋️عبد الله أطويل

    طفت على صفحة "أنستغرام" أحد فرق كرة اليد بعصبة الشمال، صورة للاعبه عدنان، بعد وصوله سبتة السليبة سباحة من الفنيدق. انهالت أسفل الصورة حفنة تعاليق من لاعبي الفريق ومسؤوليه. عزى أحد مسؤولي الفريق، رحلة هذا الشاب لحالة عائلته المزرية، متمنيا له الاحتراف هناك والعودة لتمثيل منتخب بلاده في يوم ما، بينما ربط مدرب الفريق نجاح عدنان في السباحة على القهر، بالتداريب الشاقة التي تلقاها بحضرته في تقوية عضلات ساعديه، على الأقل وإن لم تنجح في رمي كرات محشوة بالهواء نحو مرمى الخصوم، فإنها نجحت في ترويض الأمواج. ترددت الحكايات وتطايرت شظايا الإيموجات والاعجابات والقلوب تعليقا على مشجب الواقعة، إنضم رئيس الفريق للمغردين، وعلق بلازمة "في بلادي ظلموني"، بعد أن أزال ربطة العنق، لأنها وهذه الأغنية لا يستقيمان. وقيل في رواية أخرى أن عدنان لا يزال يرابط على جنبات ملاعب سبتة، آمِلا في اقتناص فرصة سانحة لاحتراف يختصر عنه الركض وراء قطعة رغيف.

    قبل عدنان، كان علي حبابا عميد فريق أمل أولمبيك اسفي لكرة القدم، انتقل على سبيل "الحريك"، أملا في انتقال حر، وما إن داب القارب بين عنان الأمواج بمعية زملائه حتى رمى بشارة العمادة، في بطن البحر. ولأن عقيدة الرياضة لا تكتمل إلا بتبني القدوة والمثال الحسن، فإن مريم بوعيد لاعبة منتخب النساء للكرة، اختارت لاعبين "حراكة" قدوة لها وسراجا منيرا. ورياضيون آخرون، على غرارها، ألقوا بميدالياتهم في غياهب البحر، وهم على مرمى رمية تماس من دخول الجزيرة الخضراء فاتحين.

    طفت على أسطح وشرفات الموقع الأزرق، صورة نشرها أستاذ معتزل، يعد من الراسخين في علم التاريخ والجغرافيا، حل ببلاد البرتقيز سائحا، فتحرشت به نوستالجيا المجد الأموي، وتراقصت بين تلافيف ذاكرته لازمة "البحر وراءكم والعدو أمامكم"، نشر صورة لخريطة الموحدين في أحد"السطوريات" مرفوقة بمقطع "مهمومة هذ الدنيا مهمومة"، رَمَّد تأشيرة السياحة وطال مقامه، ولسان حاله يردد أغنية الشاب خالد "سي لا بي".

    شاهد عيان من جيل الجالية، من الذين آمنوا بضرورة تغيير المنكر باللسان، أدلى بدلوه فور عودته من وراء البحر، حين جالس نفر من أبناء دربه، ممن "يعصرون" عادة على قهوة "نص نص"، في أحد المقاهي الشعبية. تركزت نحوه الأنظار، وهو يقسم بأغلظ اليمين أنه شاهد بكلتا مقلتيه نادل تركه هناك يمرر فناجين القهوة للزبناء، ويسدد ابتسامات مجاملة لآخرين، بعد أن كان بالأمس لاعب ضمن أحد فرق تطوان يسدد القدائف نحو مرمى الخصم، ويمرر لمهاجمين يفتقدون لذخيرة حية.

    محطة إعلامية من الصنف الذي يلهت وراء "البوز"، سلطت فلاشاتها على أحدهم ويدعى "سيمو". بعد أن وصلت أحد مقاطعه لنصاب "الطوندونس"، في "لايف" فيسبوكي تحدث عن هجرته سباحة، يقول أنه يتوفر على دبلوم تدريب من الاتحاد الافريقي. "سيمو" يطرد الملل بتدريب المهاجرين، وتلقينهم مبادئ التوغل في معترك عمليات الأنصار، لتفادي الوقوع في مصيدة التسلل وترحيل العودة. 

     اللجان الأولمبية والجهات و"الزوايا" المسؤولة عن تكوين الرياضيين الأولمبيين، عادة ما تصرف ميزانيات محشوة بكثرة الأصفار على يمين الرقم تسعة. ثم تجتمع تلك الأصفار في الحصيلة عند عد الميداليات، حين تتهدم خيام الأولمبياد، وتختتم المسابقات بمداد سريع التبخر.

    المسؤول عن "التنقيب"، يعد مصاب بعوز النظر، حين يصرف أنظاره عن "حراكة"، يجيدون السباحة، والقفز بالزانة، وركوب الأمواج، والنط على الجدران، وتخطي الأسلاك الشائكة. قد تلازمهم صفة "رياضي"، لكن مع وقف التنفيذ، حيثما غاب وكيل أعمال، أو منقب معتمد يزيل عنهم نقاب البؤس والقهر. 

     لا نحتاج لمنقبين ووكلاء يبحثون في سجلات وتواريخ الرياضيين لتمثيل المغرب، ولكن نحتاج لمسؤولين يستوعبون مغزى "هب فتاك لب نداك". لا نحتاج لمعطر جو نرشه عندما تزكمنا روائح الفضائح، وإنما نحتاج لتعقيم أكبر، ونشر الجيوب تحت شمس الوطن الحبيب.
اعلان 1
اعلان 2

0 التعليقات :

إرسال تعليق

عربي باي