الثلاثاء، 6 مايو 2025

أزمة الثقة بين الشغيلة التعليمية والحكومة: قراءة في بيان الجامعة الوطنية للتعليم


  


بقلم: ذ. سليم ياسين


في خضم سياق اجتماعي وتعليمي يتسم بالاحتقان والتوجس، جاء بيان الجامعة الوطنية للتعليم المنضوية تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل بتاريخ 5 ماي 2025 ليعكس حجم الهوة المتسعة بين الشغيلة التعليمية ووزارة التربية الوطنية. فالبيان، وإن اتخذ طابعاً نقابياً، إلا أنه يحمل دلالات أعمق تتعلق بطبيعة العلاقة بين الدولة وممثلي الأطر التربوية، في ظل واقع يزداد تعقيداً.


لغة البيان جاءت مباشرة، حادة، ومليئة بالتنديد، حيث وجّه المكتب التنفيذي للنقابة اتهامات صريحة للوزارة بالتماطل والتسويف، وغياب الإرادة الحقيقية في معالجة الملفات العالقة، وعلى رأسها مخرجات اتفاقي 14 يناير و26 أبريل. ولم يقتصر الأمر على انتقاد الأداء الإداري، بل تعداه إلى التشكيك في صدق الخطاب الرسمي، الذي وصفه البيان بأنه مليء بالتضليل الإعلامي ومحاولة تسويق الوهم للرأي العام.


وراء هذه اللغة الغاضبة، يمكن تلمّس أزمة بنيوية في تدبير ملف التعليم بالمغرب، حيث لم تعد مطالب الشغيلة التعليمية محصورة في تحسين الأجور أو الترقية، بل أصبحت متصلة بكرامة الأطر، ومكانتهم داخل المنظومة، ومدى احترام الدولة لتعهداتها. بيان الجامعة الوطنية للتعليم ينقل بوضوح شعوراً عميقاً بالإهانة، ورفضاً صريحاً لما تعتبره النقابة “استبلاداً ممنهجاً” تمارسه الوزارة عبر تجاهل مطالبها.


في العمق، يكشف البيان عن انزلاق الحوار الاجتماعي نحو نفق مسدود، بعد أن غاب التفاعل الجاد من طرف الوزارة، وجرى تعليق جلسات الحوار دون توضيح الأسباب، وهو ما اعتبرته النقابة دليلاً على غياب الرغبة السياسية في الوصول إلى توافقات. كما جاء التنديد بتغليب منطق “الهروب إلى الأمام” على حساب الالتزامات السابقة، ليزيد من منسوب الاحتقان في صفوف الشغيلة.


البيان لم يكن مجرد صرخة احتجاج، بل كان إعلاناً ضمنياً عن الاستعداد للتصعيد. فالدعوة المفتوحة لنساء ورجال التعليم إلى المزيد من التكتل والنضال تشير إلى أن النقابة تعتبر المرحلة القادمة مصيرية في مسار الدفاع عن المدرسة العمومية، وتستدعي تعبئة شاملة لمواجهة ما تصفه بـ"العبث المؤسساتي" و"التهميش الممنهج".


من جهة أخرى، لا يمكن تجاهل أن البيان عبّر عن تصور بديل، يقوم على الشراكة الحقيقية والتفاوض المسؤول، لكنه ربط هذا الأفق بضرورة إظهار الوزارة لحسن النية من خلال تطبيق الاتفاقات واحترام الزمن التفاوضي. وهو موقف يعبّر عن نضج نقابي يعترف بأهمية الحوار، لكنه يشترط صدقيته وجدواه.


يبقى أن بيان 5 ماي ليس معزولاً عن سياق عام متوتر، بل يأتي امتداداً لسلسلة من ردود الأفعال الغاضبة تجاه تدبير الحكومة لهذا القطاع الحيوي. وإذا لم تسارع الوزارة إلى إعادة بناء جسور الثقة، فإن المدرسة العمومية مقبلة على مرحلة دقيقة، قد تتسم بعودة الإضرابات، وتعطيل السير العادي للدراسة، وفقدان ما تبقى من الأمل في إصلاح طال انتظاره.


في النهاية، قد تكون الرسالة الأهم في البيان هي أن الكرامة لم تعد شعاراً مرفوعاً، بل أصبحت جوهر الصراع ومحرّكه، وأن إنصاف الشغيلة التعليمية شرطٌ لا محيد عنه لإنقاذ التعليم العمومي من أزمته المستفحلة.



 

اعلان 1
اعلان 2

0 التعليقات :

إرسال تعليق

عربي باي