ما السعادة؟ بقلم بشرى مسان
● إذا تحدثنا عن السعادة أو تساءلنا عن ماهيتها فغالب الظن أن الجواب سيكون بأنها شعور جميل يعتري الفرد بطرق تختلف من فرد لآخر، إلا أن الكل يتفق على أن السعادة شعور عام يمكن لأي أحد الشعور به، فهي متاحة بيد الجميع، فالناس تختلف في طباعها واتجاهاتها، إذ يرى البعض السعادة متعلقة بالمال، والبعض الآخر يراها مرتبطة بالإنجاز والنجاح، ولكن السعادة شعور نسبي يختلف باختلاف قدرات الفرد وإمكانياته ودوافعه، إلا أنها تعتبر القدر أوالظرف المشترك بين الناس الذي يعود عليهم بالخير و المنفعة، فتكمن مشكلة الإنسان الأساسية مع السعادة التي يعانيها منذ الأزل بكونه لا يعلم أدوات تحقيقها، فيحاول أن يجرب المادة أو الأمور المادية الملموسة ليصل إلى السعادة فتجده لا يحقق إلا لذات مؤقة لاتؤدي بالضرورة إلى السعادة التي كان يطمح إليها، كل ذلك يجعلنا نطرح أسئلة من قبيل : ماهي السعادة؟
وأين تكمن؟
وهل هي قرار أم قدر محتوم ؟
فكما ذكرتُ سابقا أن السعادةَ مفهومٌ يختلف من شخص لآخر، لأنها مصطلح نسبي؛ فقد يُسعدُ الإنسانَ شيءٌ يعد لدى غيرهِ عادياً، وقد قمت بطرح هذا السؤال الجوهري، سؤال (ما السعادة ؟) على بعض الأصدقاء وقد تلقيت عددا من الإجابات كانت تختلف من شخص لآخر، إلا أن جميعهم اتفقوا على أن السعادة شعور نسبي، وقد اخترت بعض الإجابات التي تلقيتها وهي كالآتي :
_السعادة هي شعور جميل قد يأتي من أبسط الأشياء، كاللعب مثلا أو القراءة أو عدة أشياء، لكن يجب أن تحب هاته الأشياء و لهذا فأنا أعتبر أن السعادة مرتبطة بالحب؛ فعند حبك لما تفعله سيسعدك.
وهذا الاختلاف في الإلمام بمفهوم السعادة قائم أيضا حتى بين المختصين في مجال التنمية الذاتية والفيسيولوجيا، حيث يرى بعضهم أن السعادة فطرة فقط، فهي هرمون يضخ في الجسم يسمى هرمون السعادة (Dopamin)، بينما فئة أخرى ترى أنها مجرد إحساس أو شعور تتحكم فيه عوامل خارجية و هم الأشخاص الذين من حولك. ومن منظوري الخاص أرى أن السعادة تختلف من مجال لآخر، فالإسلام يربط السعادة بالاستقرار والسلام والسكينة في النفس، بينما الفلسفة ترى أن السعادة شيء روحي ومجرد، مرتبط باللذة (الملذات والشهوات). ومن كل هذا يتبين لنا أن السعادة شعور يهدف إلى جعل الإنسان ذا إحساس وشعور معين، فيطلق على نفسه صفة سعيد حينها. فعند بدايتي لهذا الموضوع قد قلت عبارة "السلام عليكم" وهذه العبارة شائعة بين الناس ألا وهي تحية، وفي أغلب الأحيان تتبعها عبارة _كيف الحال؟_ فعندما تكون سعيدا قد تقول عبارة "الحمد لله أنا بخير، لكن حتى عندما تكون في وضع عادي أو تكون حزين قد تقول الحمد لله أنا بخير ، فيبقى هنا السؤال المطروح: هل السعادة تؤثر في تصرفاتنا وكلامنا؟! بالنسبة لي الإجابة الصحيحة هي: نعم، وكما يقال "لا تعطي وعودا وأنت سعيدا" فهذه العبارة تشرح كل شيء. وبما أننا وصلنا لهاته المرحلة من تحليل هذا الموضوع، فقد يتبادر في ذهننا عدة أسئلة ومن بينها قد يطرح هذا السؤال : أين تكمن السعادة؟! للإجابة عن هذا السؤال يمكننا طرح سؤال آخر و الإجابة عنه أولا وهو : _ما هي السعادة الحقيقية؟!_ فبالنسبة لي إذا أردت الإجابة على هذا السؤال , سأحصر هذا الجواب في مقولة تشرح هذا السؤال ألا وهي : كما قال الرازي : إن الإنسان يشاركه في لذة الأكل والشرب جميع الحيوانات، حتى الخسيسة منها، فلو كانت هي السعادة والكمال، لوجب ألا يكون للإنسان فضيلة في ذلك على الحيوانات ويكمل في سياق آخر : "إن هذه اللذات الحسية، إذا بحث عنها فهي ليست للذات، بل حاصلها يرجع إلى دفع الآلام، والدليل عليه أن الإنسان كلما كان أكثر جوعا كان الإلتداد بالأكل أتم، وكلما كان الجوع أقل كان الإلتداد بالأكل أقل".
- كما يجد الفلاسفة المسلمون السعادة الحقيقية في إشباع لذة العقل والذهن بالمعارف والعلوم بالإضافة لتقرير ورفع قيمة الأعمال المرتكزة على الجهد الذهني، ويتفق هنا الكندي وابن مسكويه والفارابي وابن رشد في كون السعادة الحقيقية تتجلى في طلب علوم الحكمة والفلسفة والعمل بالعلوم المنطقية والنظرية بهدف الوصول لنتائج وحقائق صادقة. ومن الجدير ذكره أن الفلاسفة المسلمين واليونانيين القدماء قد اتفقوا على كون السعادة الحقيقية تتجلى في الإيمان والعمل البناء سليم البناء، وإعمال العقل والفكر لإكمال إرواء الملذات الدنيوية، وهذه الطريقة الأفضل للإرتقاء بالأمم والوصول أخيرا إلى السعادة، فمن خلال هذا يمكن الرجوع إلى سؤال : أين تكمن السعادة ؟
-- إن بذور السعادة وأساسها يكمن في دواخل البشر جميعا، إلا أنهم دائموا البحث عنها خارج روحهم وأنفسهم.
أما من منظوري الخاص فقد تكمن السعادة داخل العقل الباطن لكل شخص بإعتباره الكنز الأساسي لكل شخص مما يكشف له طريق السعادة .
كما أن السعادة تعتبر قرارا يتخده الإنسان بإرادته وصبره ورغبته. فإذا عزم الإنسان على أن يكون سعيدا سيفرح بأبسط الأشياء أو يمكن الأخذ على سبيل المثال قانون الفعل ورد الفعل بإعتباره قانونا كونيا، فإذا أردت أن تبحث عن السعادة ستجدها، لكن لا يجب الإفراط فيه لكي لا ينعكس ويصبح قانونا تراجعيا لأن الإنسان لا يستطيع أن يمنع الهموم والمتاعب من التحليق حوله، لكنه بالطبع يستطيع أن يمنعها من دخول عقله فوسائل التغنيص وطرقه كثيرة لا تنتهي إلا بإتخاذ المرء قرارا يمنح به نفسه السعادة.
0 التعليقات :
إرسال تعليق