الاثنين، 11 أكتوبر 2021

جسور الرباط يناقشون رواية "عالم صوفي"

 جسور الرباط يناقشون رواية "عالم صوفي"


في موعد ثاني لهذا الموسم، إلتأم أمس الأحد شمل جسور القراءة بالعاصمة الرباط،  لمناقشة رواية "عالم صوفي"، للكاتب النرويجي جاستين جاردن، اللقاء الذي كان فرصة للتعرف على تاريخ الفلسفة، بطريقة تمتح من المتخيل الروائي. الرواية التي تعد مقدمة في الفلسفة، تكتسب أهميتها من الموضوع والمشروع المعرفي الموجود داخلها، كما تتميز بأدبيتها الفريدة من حيث البراعة في التعبير عن هذه المعرفة والأفكار في شكل بسيط ومثير.


يمكن تلخيص أحداث الرواية، حينما تتلقى صوفي رسالة في صندوق البريد من مجهول تحتوي على سؤال "من أنتِ؟" دون أي إشارة للمُرسِل، ثم تتوالى الرسائل التي تجعلها تعيد التفكير في الأشياء "من أين جاء العالم؟". وبالتوازي مع ذلك تتلقى رسائل مجهولة أخرى من أب لابنته "هيلد" في عيد ميلادها الذي هو نفس موعد عيد ميلاد صوفي ويقول فيها إنها مرسلة عن طريق الأخيرة.

تبدأ الفصول الفلسفية من "القبعة العالية" والتي يبدأ المعلم الذي يوضح تدريجيًا أن رسائله غرضها دروس في الفلسفة وهو لا يزال مجهولاً يقول "إن الميزة الوحيدة اللازمة لكي يصبح الإنسان فيلسوفًا جيدًا؛ هي قدرته على الدهشة". وتبدأ الرسائل تأثيرها بتفاعل صوفي معها من حيث التفكير ورؤيتها لأمها التي رأت أنها كما يقول المعلم قد إعتادت على العالم ولا تندهش.


وتتعمق الرسائل في عرض تاريخ الفلسفة أو التفكير قبل الميلاد، وهذا ما جعل المؤلف يضع في مقدمة الرواية مقولة غوته "الذي لا يعرف أن يتعلم دروس الثلاث آلاف سنة الأخيرة، يبقى فى العتمة". فهو بإختصار يحاول أن يعطينا كبسولات لهذه الدروس بداية من (الأساطير، فلاسفة الطبيعة) والذين كانوا يبحثون في سؤالين أساسيين "ما هو أصل العالم" و"هل هناك خلود؟"، مرورًا بتأثير ظهور العلم وتفسير القدر، ثم فلاسفة ما بعد الطبيعة (سقراط، السفسطائيين، أفلاطون، أرسطو). وتتنوع طرق هذا المعلم حيث يرسل لها ظرفاً صغيراً فيه السؤال وظرف كبير فيه كلام عن الحقبة أو الفيلسوف الأهم الذي طرح هذا السؤال، ويرسل لها في الحديث عن سقراط وأفلاطون شريط فيديو يظهر فيه المعلم وشخصية سقراط وأفلاطون!! وتبدأ صوفي بالرد عليه.

"إن الفلسفة ليست شيئًا يمكن تعلّمه، وإنما يمكن تعلّم التفكير بطريقة فلسفية"

ويستمر تأثير هذه الرسائل على صوفي.. حيث تطبق ترتيب أرسطو للوجود في ترتيب غرفتها كل شيء بحسب نوعه، وتحل في إختبار الدين في المدرسة بما تعلمته من دروس الفلسفة وما أوصلها له تفكيرها. وتتوازى الأحداث من حيث المعنى فيما تمر به صوفي في حياتها خارج الرسائل، مثلما جاء إختبار الدين موازيًا لطرح (الفلسفة الهيلينية) التي بدأ الإهتمام فيها بالأسئلة الأخلاقية ومزج الديانات والتي وجدت ما يوازيها في الإختبار، مرورًا بـ (الكلبيين، الرواقيين، الأبيقوريين، والأفلاطونيين الجدد، والهندو أوربيين). وقد يشترك بعضهم البعض في نقاط عدة ويتعارضون في بعضها، منها بشكل عام الإيمان بوحدة الوجود عند الأفلاطونيون الجدد والهندو أوربيين، أو التعارض في الإيمان بالزهد في المعيشة لدى الكلبيين والبحث عن المتعة لدى الأبيقوريين.

ثم ينتقل الكاتب لإستعراض سريع للديانات الثلاثة (اليهودية، المسيحية، الإسلام) وما يطلق عليهم أسم الساميين لقوله إنه لأساسهم السامي المشترك ويتشركون في نقاط أساسية عدة هي: "الإيمان بإله واحد، ويوم الحساب الأخير، والاعتماد على سماع كلام الله"، والإيمان بقصة خلق آدم.


 ينتقل بعدها المؤلف إلى القرون الوسطى وتطور الأحداث عند إتصال "ألبرتو كونكس" بـ"صوفي" لدعوتها للمقابلة في كنيسة يستعرض لها تاريخ تلك الحقبة فيها في عدة ساعات فيقول "يمكننا أن ننطلق من مبدأ أن يسوع ولد في منتصف الليل، وأن بولس بدأ يبشر قبل الثانية عشر والنصف ومات في روما بعد ذلك بربع ساعة، في نحو الساعة الثالثة كانت الكنيسة المسحية محظورة، لكن لم تلبث أن نالت إعتراف الإمبراطورية الرومانية في العام 313م في عهد الإمبراطور قسطنطين، الذي تعمد على سرير الموت بعد سنوات. ومنذ العام 380م أصبحت المسيحية دين الإمبراطورية الرسمي".


ويحكي الكاتب عن ظهور الثقافة الإسلامية (632م) ولعب العرب دوراً مهيمناً على العلوم المختلفة، ثم فلسفة القرون الوسطى التي كانت تركز أغلبها في سؤال "هل هناك تعارض بين الإنجيل والعقل؟". وأهم فلاسفة تلك الحقبة (الفيلسوف أوغسطينوس، والقديس توما الاكويني) وبشكل ما كانا مشتركين في محاولة التوفيق بين المسيحية والفلسفة.


مع دخول عصر النهضة، تنفصل الفلسفة والعلوم عن اللاهوت الكنسي، وتنطلق الفلسفة من مركزية الإنسان على عكس القرون الوسطى التي إنتقلت من ضوء الله. ويمكن الإشارة إلى إختراع (البوصلة، البارود، المطبعة) كرموز لتطور المعرفة في هذه المرحلة.


"أيها الجنس الإلهي المتنكر إنسانًا، إعرف نفسك". يبدأ المايجور والد "هيلد" في رسائله بربط ما يحدث لها من دروس الفلسفة بحالته في الحرب، لأن الفلسفة هي دعوة للخلاص من الحرب، ومع دخول (عصر الباروك) الذي تميز بالأشكال والآراء المتناقضة في الفن والفلسفة والعلم والسياسة، والذي كان أهم فلاسفته هم "ديكارت" و"سبينوزا" العقلانيان ثم نقدهما من خلال "لوك" و"هيوم" التجريبيين ثم "بيركلي" الذي لا يؤمن بالعالم المادي.


يتحول مسار الحكي إلى شخصية هيلد بشكل مباشر في عيد ميلادها، وإرسال والدها المايجور لها هدية عيد ميلادها التي هي كتاب "عالم صوفي"، إذ تبدأ في قراءة كل الفصول السابقة وهي مندهشة. ويتوازي هذا مع دخول (عصر التنوير) والذي قد يرمز لهذا التنوير الحادث في الرواية لدى الشخصيات، حيث يبدأ ألبرتو وصوفي في الشك في أنهم ليسوا إلا نتاج خيال المايجور والتفكير في محاولة الإفلات.


وبالعودة لعصر التنوير فإن من أهم سماته (التمرد على السلطة، العقلانية، فكر عصور التنوير، التفاؤل الثقافي، العودة إلى الطبيعة، الديانة الطبيعة، حقوق الإنسان). وأهم فلاسفة هذا العصر هم "كانط" الذي أسس (قانون الواجب الأخلاقي)، والمدرسة "الرومانسية" التي جاءت كثورة على الفلسفة الصارمة للعقل التي كانت متمثلة بقوة عند كانط، وقد أثرى هذه الحركة الفيلسوف "هيغل" الذي كان يعتقد بذاتية الحقيقة.


مع دخول فصل "كيركيغارد" تبدأ هيلد في التفكير في التمرد على أبيها. تتجلى بوضوح فلسفة كيركيغارد عند تشرب صوفي سائلاً سحرياً أرسله المايجور جعلها تشعر أن كل ما حولها واحد وهو فلسفة الكلية، ثم السائل الذي يجعلها تشعر بفردية الأشياء والتجربتين معاً، فيه توضح فكرة أن الحقيقة مركبة من السائلين. وتستمر هذه الأمثلة عند الإنتقال إلى "ماركس" حيث تقابل رجلاً ثرياً وفتاة فقيرة، ثم عند الإنتقال إلى "داروين" يأتي لهم نوح بلوح عليه صورة الحيوانات المنقذة من الطوفان وسلالتها، ثم عند الإنتقال إلى "فرويد" يأتيهم رجل عارٍ يحمل تاجاً، والإثنان الآخران هما من يمثلان هذا التيار الطبيعي الذي كانت كلماتهما المصطلح عليها: البيئة، التاريخ، النشوء، النمو. أشار ماركس إلى أن الأيديولوجيات الإنسانية هي نتاج الظروف المادية للمجتمع، وأوضح داروين أن الجنس البشري هو ارتقاء بيولجي بطيء، وكشفت دراسات فرويد عن اللاوعي أن تحركات الناس وتصرفاتهم في معظمها تنتج عن دوافع أو غرائز حيوانية.


بالدخول إلى الحقبة المعاصرة، تشعر هيلد بهذا التأثير من فصل فرويد، فتحاول مراقبة أفكارها اللاواعية. وعند النوم تستكمل حلماً قد حلمته صوفي في الرواية. تظهر في هذه الحقبة المدرسة الوجودية والتي يمكن تلخيص فكرتها في قول (نيتشه) "كن وفيًا للأرض ولا تصغ لمن يعدك بحياة أفضل في العالم الآخر"، والذي جاء من بعده أهم الفلاسفة الوجوديين، والذي كان يقول بأن "الإنسان محكوم بأن يكون حرًا".

 ويستمر الحديث عن تطور البشرية المستمر لأن الأسئلة تزداد تعقيدًا.. مما قد يؤدي إلى سير الحضارة في مسار الإنحدار أو لجوء الناس إلى الخرافة، ويمثل هذا المكتبة الضخمة التي زارها ألبرتو وصوفيا التي تحتوى على كتب مثل هذه الكتب الخرافية.. وبعدها يخرج ألبرتو لصوفي من المكتبة كتاب "عالم صوفي"!!.

وفي حفلة الإستقبال في الهواء الطلق التي تقيمها صوفي للإحتفال بعيد ميلادها يعلن ألبرتو في حفلة عيد الميلاد حقيقة أنهم ليسوا إلا شخصيات وهمية في خيال المايجور، وأنه عليه وعلى صوفي الهرب وبالفعل يفعلون ذلك. وينتهي الورق عند هيلد ولكنها تحاول أن تقرأ بين السطور، حيث يدخل ألبرتو وصوفي في عالم المايجور الحقيقي. وتنتقل هيلد إلى التحكم في عالم والدها بإرسالها رسائل له قبل أن يصل من السفر فلا تعرف من يتحكم في من حتى وصوله وحديثهما عن الكتاب!. وبالفعل يذهب ألبرتو وصوفي إلى مكان المايجور وهيلد ويحاولون لفت نظرهما، ولكن لأنهم غير مرئيين في هذا العالم فلا يؤثرون حتى تشعر هيلد بوجود ما بتذكرها لخطة المايجور الخفية للإفلات، أثناء حديثها مع أبيها عن الإنفجار البدئي وتمدد الكون المستمر وكيف سيؤول ذلك.

وأثناء حديثهما تنجح صوفي وألبرتو في تحريك القارب الخاص ببيت هيلد ويقوم المايجور بالسباحة لإسترجاعه، فتقول له هيلد "فلنسبح معًا"، في رمزية لإستكمال هذه الرحلة من السباحة في عالم صوفي والفلسفة، ومفارقة في أزمة الرواية الأكبر التي خلقت الصراع في مشكلة حرية الإرادة، وهل أن وجودنا حقيقي ويمكننا التحكم به. الجدير بالذكر أنه هذين العالمين ليسا إلا من خيال مؤلف آخر.


هكذا كان اللقاء مفعما بالنقاش والتفاكر بين أعضاء جسور القراءة بالعاصمة الرباط، ضاربين موعدا جديدا يوم الأحد 31 أكتوبر 2021، لمناقشة كتاب "حين تركنا الجسر" للكاتب السعودي عبد الرحمن منيف

اعلان 1
اعلان 2

0 التعليقات :

إرسال تعليق

عربي باي