الكاتب المغربي محسن الوكيلي يصل للقائمة القصيرة لجائزة البوكر 2022

تمكن الكاتب المغربي محسن الوكيلي من الوصول للقائمة القصيرة لجائزة البوكر لسنة 2022، عن روايته"أسير البرتغاليين - حكاية الناجي" الصادرة عن منشورات دار ميم بالجزائر في طبعة أولى عام 2021، فقد أعلنت لجنة تحكيم الجائزة العالمية للرواية العربية عن الروايات المرشّحة للقائمة القصيرة بدورتها للعام 2021، حيث تتضمن القائمة 6 رواية صدرت خلال الفترة بين أول يوليو 2020 وحتى آخر شهر غشت 2021، وجرى اختيارها من بين 16 رواية كانت ضمن اللائحة الطويلة للجائزة.

تعتبر المرة الأولى التي يصل فيها الروائي محسن الوكيلي للقائمة القصيرة للجائزة. محسن الوكيلى كاتب مغربى من مواليد تازة، المغرب، عام 1978. حاز  جوائز أدبية عديدة فى المسرح والقصة والرواية. أصدر أول مجموعة قصصية له بعنوان "فجر الغضب" فى عام 2009، ثم أول رواية "رياح آب" فى عام 2013 التى فازت بجائزة الشارقة للإبداع العربى فى العام نفسه. وصلت روايته "ريح الشركي" 2016 القائمة القصيرة فى جائزة الشيخ زايد، فى فئة الكتّاب الشباب، وفازت مجموعته القصصية "تيه" 2016 بجائزة غسان كنفانى للسرد.

تدور أحداث رواية "أسير البرتغاليين" حول حكاية رجل بسيط يخرج إلى القرى بحثا عن لقمة عيش ليجد نفسه أسيرا فى أحد حصون البرتغاليين على الساحل الإفريقى مخلفا وراءه زوجته وأطفاله الثلاثة فى فاس. وعلى مدار أحداث الرواية يتابع القارئ الأسير وهو يقايض سجانه بسرد الحكايات، بعد أن هدده بالإعدام إذا لم يفلح فى صياغة الحكاية التى تروقه. فتسير الرواية على خطّين سرديين يتكاملان لصنع حبكة تربط بين ما يحكيه الأسير فى حضرة السجان وما يرويه السارد لتكتمل معالم الرواية.

في هذا السياق، يتعرف القارئ من خلال أحداث الرواية على فترة حساسة من تاريخ المغرب زمن صراع السعديّين والمرينيّين والاحتلال البرتغالى فى القرن السادس عشر. وتختبر الرواية، من جهة أخرى، مشاعر الخوف والترقّب والحب والكراهية والرغبة فى الانتقام. نص تمكن صاحبه من استدعاء لحظة تاريخية ترتبط بالوجود البرتغالي على السواحل المغربية في القرن السادس عشر.

كما تستحضر الرواية "حاضرة فاس" مع نهايات الحكم المريني الذي كان يواجه مقاومة ورفضا من قبل الأشراف الذين سعوا جاهدين إلى القضاء عليه بقيادة محمد الشيخ السعديّ. لا سيما وقد سيطر السعديون على مراكش وبسطوا حكمهم على أغلب مناطق المغرب. في ضوء هذا المجال الزمكاني تتحرك أبرز أحداث رواية محسن الوكيلي.

تأتي الرواية على ذكر نماذج لشخصيات تاريخيّة، نذكر منها مثلا الفقيه المالكي الشيخ “عبد الواحد الونشريسي” الذي عاش في حاضرة فاس في القرن ، وهو الذي رفض أن يخون حاكمها أحمد المريني ويخلع عنه البيعة، فتم قتله أثناء إلقاء دروسه على طلبة العلم. وهي حادثة تذكرها معظم كتب التاريخ.

غير إن محسن الوكيلي قد أعاد في أسير البرتغاليين تشكيل هذه المعلومات التاريخية في ضوء المتخيل الروائي، من خلال ممارسة عملية الحبك التاريخي، الذي يجمع فيه بين المعلومة التاريخية والتمثيل السردي. ليتم كل ذلك ضمن أسلوب لغوي ممتع، وبرنامج سردي مركب يتجاوز الخطية الزمنية في تشكيل وبناء الأحداث. فقد استطاع محسن الوكيلي أن يخلق "مادة تاريخية" تم تشكيلها عن طريق ممارسة عملية السرد، لتفارق هذه المادة التاريخية المشكلة مرجعها "الحقيقي" في كثير من التفاصيل. فمثلا ما وقع لأحمد السبتّي أحد شخصيات الرواية وهو تلميذ عبد الحق الونشريسي الذي قتل محمد الشيخ السعدي بمساعدة الأتراك الإنكشاريين، هو عبارة عن حكاية جزئية لحكاية أكبر تمثل الصراع الذي كان سائدا بين السعديين والعثمانيين.

يتفاعل التاريخي والسردي ويتبادلان المواقع، ليتغلب السرد في نهاية المطاف على التاريخ وسبب ذلك هو قدرة الروائي على استدعاء التاريخ، ثم إتقانه لعملية التمثيل، وذلك بإعادة منح هذه الوقائع التاريخية روحا جديدة تتماشى والمشروع السردي الخاص بالرواية، مما يجعل القارئ لا يكتشف جليّا حدود الفرق بين الواقعة التاريخية والتمثيل السردي لها. كما تحدثنا هذه الرواية عن أوضاع حواضر المغرب على أيام المرنيين والسعديين، إذ نقف في كثير من المواضع على نوع من المسح الثقافي والاجتماعي الذي له علاقة بطبيعة السكان وتقاليدهم وحديث عن شوارع وساحات وأسواق ومساجد هذه الحواضر. ومدى شحوب هذه المناطق في ضوء الطاعون الذي أصاب العباد والبلاد وساد لسنوات مخلفا كثيرا من الضحايا.

تعد رواية أسير البرتغاليين تجربة عربية تندرج ضمن مسمى "رواية التخيل التاريخي"، فهي تنفتح بذلك على عوالم سردية وتخييلية رحبة، تستحضر تجارب إنسانية عابرة للحدود التاريخية والجغرافية. فحكاية الناجي هي بمثابة الرد على الحكاية الإمبراطورية التي يمثلها بيدرو البرتغالي. حكاية الناجي هي حكاية محلية عن المقهورين والسكان الأصلانيين، وهي الحكاية التي تنتصر في الأخير على الحكاية الكبرى للمستعمر التي مفادها أن هؤلاء المقهورين لن ينهضوا أبدا لأنهم يجب أن يعيشوا ضمن/تحت قيود وتعليمات الشرط الامبراطوري.