الأربعاء، 7 مايو 2025

التربية الإسلامية ورهانات الهوية والقيم: قراءة تحليلية في بيان الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية (ماي 2025)


 بقلم : سليم ياسين 

يعد البيان الصادر عن الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية في ماي 2025 وثيقة تربوية تتجاوز مضمونها الظاهر إلى ما هو أعمق من المواقف الظرفية أو المطالب المهنية. إنها وثيقة تعكس وعياً استراتيجياً بمآلات المدرسة المغربية، وتضع مادة التربية الإسلامية في قلب الرهان الحضاري الذي يعيشه المغرب في سياق تحولات اجتماعية وثقافية معقدة. وإذ يأتي البيان تحت شعار “التربية الإسلامية: رهانات الحاضر وتحديات المستقبل”، فإنه لا يعبر عن مجرد موقف من وضعية بيداغوجية، بل يستبطن رؤية شمولية لمشروع مجتمعي متكامل تتداخل فيه الأبعاد التربوية والهوياتية والقيمية.


ينطلق البيان من إدراك حاد بأن موقع مادة التربية الإسلامية في المنظومة التعليمية لم يعد يواكب أهمية الرهانات المطروحة على المدرسة. فالمادة لم تعد تُعامل باعتبارها مكوناً معرفياً موجهاً للسلوك فقط، بل أصبحت اليوم في صلب معركة الحفاظ على المرجعية الحضارية للبلد، وعلى التوازن الروحي والقيمي للأجيال الصاعدة. لذلك، فإن مطالبة الجمعية بإعادة الاعتبار للمادة، ورفع حصتها الزمنية، وتحسين منهجها، وتوسيع حضورها في الفضاءات التعليمية، ليست سوى تعبير عن هذا القلق العميق من إفراغ المدرسة من بعدها التربوي الأصيل.


كما يبرز في البيان هاجس الدفاع عن المدرسة المغربية كمجال لصيانة الهوية الإسلامية، في مقابل نزوع بعض المقاربات البيداغوجية الحديثة إلى تفكيك البنية المرجعية للقيم التربوية. من هذا المنطلق، يمكن فهم تأكيد البيان على أهمية جعل التربية الإسلامية مادة محورية في كل أسلاك التعليم، ليس فقط من حيث الحجم الساعي، بل من حيث إعادة بناء مناهجها لتستجيب لتحولات الواقع، دون التفريط في مرجعيتها العقدية والأخلاقية. فالجمعية هنا لا تكتفي بالدفاع عن موقع المادة داخل المقرر، بل تدعو إلى صياغة رؤية بيداغوجية متكاملة قادرة على تأطير الناشئة في زمن التشظي القيمي والانفجار المعلوماتي.


وما يعمق هذا الطرح هو استحضار البيان لبعد الصراع الرمزي في المجال التربوي. فاللغة المستعملة، والإحالات المتكررة إلى الهوية الوطنية والروحية، تشير إلى أن الأمر يتعلق بمواجهة ضمنية مع نماذج تعليمية ذات نزوع غربي ، تعمل على تحييد القيم الدينية من المجال المدرسي، أو اختزالها في تمارين معرفية جامدة. وفي المقابل، يسعى البيان إلى إعادة الاعتبار للتربية الإسلامية كحقل يسهم في بناء الذات الإنسانية من الداخل، بما يحصن المتعلم من الانزلاق نحو العنف أو الفراغ القيمي.


إن إحدى النقاط اللافتة في البيان هي الربط بين التربية الإسلامية والقضية الفلسطينية، وهو ربط غير بريء دلالياً. فالإشارة إلى الاحتلال الصهيوني وما يتعرض له الشعب الفلسطيني من انتهاكات، يتجاوز حدود التضامن التقليدي ليصبح دعامة رمزية لخطاب مقاوم، يرى في المدرسة مجالاً لتشكيل وعي نقدي يعيد الاعتبار للقضايا الكبرى للأمة. هكذا تصبح التربية الإسلامية ليست فقط مادة تعليمية، بل مجالاً استراتيجياً لبناء مواطن منخرط في الدفاع عن العدالة والكرامة وحقوق الإنسان وفق مرجعيته الحضارية.


ومع أن البيان يحرص على خطاب توافقي، منفتح على الحوار مع مختلف الفاعلين التربويين والمؤسسات الرسمية، إلا أنه في العمق يعكس رغبة ضمنية في إعادة رسم الحدود الفاصلة بين المرجعيات المتنافسة داخل الحقل التعليمي. إنه دعوة لإعادة التوازن في السياسات التربوية، من خلال توسيع مساحة حضور المرجعية الإسلامية في صلب العملية التربوية، باعتبارها عاملاً أساسياً في بناء الاستقرار المجتمعي.


من خلال هذا التحليل، يمكن القول إن بيان الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية يشكل منعطفاً مهماً في مسار الدفاع عن التربية القيمية في المغرب. فهو ليس مجرد موقف ظرفي، بل وثيقة تعكس وعياً متقدماً بمخاطر التهميش الثقافي، وتطمح إلى المساهمة في بلورة مشروع تربوي منسجم مع مقومات الهوية المغربية. ومادامت المدرسة تشكل الحاضنة الأولى لتشكيل وعي الأجيال، فإن مستقبل المجتمع المغربي سيظل رهيناً بقدرتنا على بناء تربية تستبطن المرجعية الإسلامية، وتمنح المتعلم أفقاً روحياً وأخلاقياً قادراً على مواجهة تحديات الحاضر وتحولات المستقبل.

التالي
هذا احدت موضوع.
رسالة أقدم
اعلان 1
اعلان 2

0 التعليقات :

إرسال تعليق

عربي باي