الجمعة، 2 أبريل 2021

سيميائية العنوان في رواية "تاء الخجل" لفضيلة الفاروق


 سيميائية العنوان في رواية "تاء الخجل" لفضيلة الفاروق

دراسة أدبية بقلم: فاطمة الزهراء المناني


إن العنوان سمة تعينية تميز الكتاب عن غيره، كما يعد من أهم عناصر النص الموازي وعتباته الداخلية؛ وتتجلى هذه الأهمية في العلاقة السيميائية والبنائية التي تربطهما معا، إذ غالبا ما يكون اختصارا للفكرة العامة وإشعارا بأهم موضوعاتها؛ فهو أول مادة لغوية تصادفك قبل تصفح الكتاب وبناء على العنوان قد تقرأه أو تعزف عنه. ولعل هذا ما ذهب إليه ليوهويك LEO HOEK بتعريفه للعنوان أنه مجموعة من الدلائل اللسانية(1)، فهو بذلك نظام دلالي يتأسس على قاعدتين سطحية وعميقة شأنه في ذلك شأن النص الإبداعي تماما.


وإدراكا منا بهذه الأهمية سنقوم بتحليل سيميائي لعنوان "تاء الخجل" في علاقته بأحداث وقضايا الرواية.


   نعرج أولا على البنية المعجمية: فعنوان "تاء الخجل" يتركب من وحدتين متلازمتين الأولى هي حرف التاء وهو "حرف هجاء من حروف المعجم، تاء حسنة وقد تزداد التاء المؤنث في أول المستقبل وفي آخر الماضي/ تاء للتأنيث لا تخرج عن أن تكون حرفا تأخرت أو تقدمت" (2)


 

والوحدة الثانية لهذا العنوان فهي لفظة "الخجل" ومعناه "الاسترخاء من الحياء ويكون من الذُّلِّ والتحيُّر والدِّهَش من الاستحياء".(3) وعليه فهو حالة نفسية شعورية تصيب المرء في أحد المواقف الاجتماعية.

 

   وفيما يخص البنية السطحية (التركيبية النحوية): فقد جاء العنوان جملة اسمية تؤكد اتصال صفة الخجل بالأنثى في علاقة متلازمة تجعل الأول رهين الثاني "المضاف والمضاف إليه" .

 

   أما عن البنية العميقة (الدلالية): فالعنوان يحيلنا على ذلك الارتباط الوثيق بين الأنثى والخجل فهي لزاما عليها أن ترتدي زي الحشمة وأن تستحي فوق المطلوب؛ باسم الدين والأخلاق، وأن تكتم مشاعرها ورغباتها وميولاتها في الحياة، الشيئ الذي تكرسه العادات والتقاليد في الجزائر وقس على ذلك باقي الدول العربية. _إن صح هذا الاسقاط_ ويمككنا أن نلحظ هذا جيدا في عدة محطات من هذه الرواية: كما جاء على لسان خالدة في بوح لها تقول "هربت منك بعد أن أعياني الخجل لمواجهة الجميع بحبك"(4) هذا يكشف لنا على علاقة الأنثى بالخجل كصفة تفرضها نظرة الغير؛ حيث تعترف أنها لم تكن شجاعة كفاية بأن تواجه الناس بهذا الحب وهذا التكتم طبعا راجع للخجل الذي تكرسه التنشئة الإجتاعية؛ برسم قالبا يجب على الأنثى أن تلبسه.

 

   في نفس السياق تردف وتقول: "يزعجني أننا معا كنا ننتمي لتلك البيئة الجبلية القاسية التي تترصد الحب بعيون الريبة " (5) فهنا تمنت في نفسها لو تواجدت في بيئة تتمتع بقدر من الحرية لا تجرم مشاعر الحب. فتلك القرية الجبلية كانت تبتر فيها العلاقات قبل نموها كما حصل مع خالدة ونصر الدين فتاء الخجل هنا علامة سيميائية على القمع والإسكات ...

 


   نستنتج أن العنوان هنا مؤشر واضح على التوجه العام لفضيلة الفاروق في هذه الرواية ألا وهو المرافعة عن المرأة والدفاع عن حقوقها، وتعرية واقعها المزري في قالب سردي، فمن الوهلة الأولى نستشف حكم الروائية على تاء التأنيت (صفة الأنوثة) بأنها تاء للخجل فلماذا لم تقل مثلا تاء القوة أو تاء الغضب...، وما شابه ذلك لأن المرأة كجندر يطوقها الكثير من الخجل والطابوهات والأشياء المسكوت عنها والمكبوتات أيضا، فلفظتي خجل وتاء فتحتا لنا أفقا واسعا للتحليل وللتأويل، يمكننا أيضا أن نقول أنها تدل على الخزي من تلك التاء التي تعطي الشرعية للجنس الآخر أن يضطهد ويظلم المرأة وهنا نستشهد بما كانت تشعر به خالدة من رفض لأنوثثها، وخير تعبير عن ذلك حينما قالت "لا شيئ تغير سوى تنوع وسائل القمع وانتهاك كرامة النساء، لهذا كثيرا ما هربت من أنوثثي " (6).
 

   كذلك يرتبط لفظ الخجل بمعاني الذل والعيب والعار؛ فحياة الأنثى تخضع لقوانين صارمة وأي هفوة من شأنها أن تجلب العار لعائلتها حتى وإن لم يكن لها ذنب في ذلك، وهذا ما يظهر لنا جليا في قصص الفتيات المغتصبات في حقبة العشرية السوداء؛ اللواتي تم رفضهن من طرف عائلاتهن بسبب الاغتصاب بدعوى أن لا يجلبن لهم العار والوصم الاجتماعي.

 

   كما لا تخلو نظرة الرجل للمرأة من الدونية في هذا العمل السردي: إذ أن المرأة لا ترقى في اعتقادهم إلى مرتبة الرجل ويمكننا أن نزكي هذا الطرح بما جاء في الرواية أيضا " وفيما بعد عرفت أنه تزوج امرأة بإمكانها أن تنجب له أطفالا ذكورا ما دامت أمي غير قادرة على فعل ذلك" (7) فهو لديه إبنة لكنها في منطقه ليست في منزلة الذكر وهنا أيضا إحالة على أن زوجته قيمتها في أن تنجب له الذكر فقط وغير ذلك فهي ليست قيمة في ذاتها.


   ومن تمظهرات تلك النظرة الدونية للنساء أيضا ما ورد في هذا المقطع  "أما ما كان يجعلني فعلا أفقد أعصابي فهو فترة الغداء يوم لجمعة، إذ علينا نحن النساء أن ننتظر عودة الرجال من المسجد، وبعد أن ينتهوا من تناول الغذاء يأتي دورنا نحن النساء،...وكنت أكره ذلك التقليد الذي يجعل منا قطيعا من الدرجة الثانية"(8) فمن خلال إبرازها لهذا التقليد تبين لنا المرتبة الثانوية التي كانت تحضى بها المرأة في مقابل الرجل داخل بيت العائلة.

 

   ولا تنتهي سيميائية ودلالة تاء التأنيت التي استخدمتها فضيلة الفاروق عند هذا الحد، بل تتجاوزه لتشمل اختيارها لأسماء شخصياتها التراجيدية ( رزيقة، راوية، ريمة، ويمينة ) فكلهن شهدن نهايات مأساوية فهذا التوظيف لم يكن اعتباطيا على حد رأينا فلمذا لم توظف أسماء من قبيل أمل وليلى وسناء.

 

   بهذا يكون العنوان قد أدى جميع وظائفه السيميائية المنشودة، بما فيها التأثيرية _الإغرائية _ إذ كان استفزازا جميلا دفعنا لقراءة الكتاب واكتشاف الصلة التي تجمع الأنثى بالخجل، ووظيفته الإحالية بكونه مرتبطا بمضامين الرواية كما لا نغفل أيضا عن الوظيفة الشعرية الإستيطيقية التي أضفت رونقا مميزا على هذا العمل الإبداعي.

 

من هنا نخلص إلى أن الكاتبة وظفت العنوان بوعي كبير ومقصدية جعلته فعلا عتبة قرائية موحية ومفتاحا أسهم في تطعيم خيال القارئ وتهييئه لتلقي نص الرواية بكل أبعاده.

  

الهوامش:

[1] ليو هويك   Leo Hoek(سمة العنوان) ص: 5

2 ابن منظور: لسان العرب، الكتب العلمية، بيروت لبنان ج 1 ط 1، ص: 123.

3 ابن منظور: لسان العرب، ج7، ط 1، ص: 50.

4 فضيلة الفاروق، تاء الخجل، دار رياض الريس للنشر، بيروت، ط2، 2006: ص 34

5 رواية تاء الخجل فضيلة الفاروق: ص 34

6 رواية تاء الخجل فضيلة الفاروق ص  12

7 رواية تاء الخجل فضيلة الفاروق ص  20

8  رواية تاء الخجل فضيلة الفاروق ص 23

 

اعلان 1
اعلان 2

0 التعليقات :

إرسال تعليق

عربي باي