السبت، 5 نوفمبر 2022

المرنيسي وتقويض التصور الثابت عن المرأة

 

المرنيسي وتقويض التصور الثابت عن المرأة من خلال كتاب هل أنتم محصنون ضد الحريم؟


عملت فاطمة المرنيسي في كتاباتها على تقويض التصور الثابت عن المرأة في الثقافة الذكوريّة مثل: المرأة الشيء، والمرأة الدونيّة، والمرأة المثال، والمرأة الرمز... 


لصالح بناء نموذج المرأة الإنسان واعتمدت تفكيك مفهوم الحريم في الثقافة السائدة وتعرية الجانب المستتر والمخفي مما كان يجري في أروقة قصور هارون الرشيد وردهات سرايا السلطان عبد الحميد ورؤية المستشرقين.


حاولت المرنيسي تفكيك الأنماط الاجتماعية التقليدية من خلال التناول المباشر للنصوص الإسلامية، أو من خلال نقد الأدبيات الفقهية ذات الدور الحاسم في إنتاج القوانين الوضعية والتي تكرس الأطر الاجتماعية لوضعية المرأة العربية المسلمة . ورأت فجوة بين النص الديني - كإطار متقدم لحرية المرأة - ودور المرأة في بداية التاريخ الإسلامي بالتعامل مع الجنس وتوزيع السلطة في الفضاء الاجتماعي، وبين الواقع التاريخي الذي اتخذ منحى تراجعياً تقييدياً في عصور ما بعد النبوة، أدّى إلى أن تبقى صورُ المرأة النمطيّة السلبيّة متجذّرةً في الوعي الذكوريّ.


في بداية التسعينيّات تخلّت المرنيسي عن النسويّة لتكرّس نفسَها في نشاطين أساسيين: كتابة الرواية، وتدعيم المجتمع المدنيّ في المغرب.


للكشف عن سيطرة التصوّر الذكوريّ في المنظور الثقافيّ والدينيّ والاجتماعيّ، وتغييب حضور المرأة وحقوقها اعتمدت المرنيسي "الكتابة المتحوّلة" كوسيلةً تعبيريّة لا تراعي الايقاع التاريخي الخطي الذي يضبط سير الوعي أو تطور اللغة بل تعاقب للقطائع و الانشقاقات و التصدعات والاختلافات.


تجمع المرنيسي في شخصيتها ومسيرتها الأدبية والعلمية والعملية جوانب من الرائدة النسوية جوليا كريستيفا، والتي قدّمتْ سنة 1986 دراسة عن النقد الأدبيّ النسويّ أوضحتْ فيها ضرورة المساواة بين المرأة والرجل في الصور والشفرات والعلامات والدلالات التي تتجلّى في الآداب والفنون، وفي غيرِها من النظم التي تصوغ العقول ووجهاتِ النظر، وتصوغ من ثم السلوكَ تجاه الآخر في المجتمع.


كما تشبه في بعض أطروحاتها الاجتماعيّة والإبداعيّة، فرجينيا وولف، التي اتّهمت العالمَ الغربيّ بأنه مجتمعٌ أبويّ منع المرأةَ من تحقيق طموحاتها الفنيّة والأدبيّة، إضافةً إلى حرمانها اقتصاديًّا.


وهي تشبه سيمون دو بوفوار، التي تزعّمت الحركة النسائيّة حينما أصرّت على أنّ تعريف المرأة ينبع دائمًا من ارتباطها بالرجل، فتصبح "آخرَ" (موضوعًا) يتّسم بالسلبيّة، بينما يكون الرجلُ ذاتًا سِمَتًها الهيمنةُ والرفعةُ والأهميّة.


كتاب هل أنتم محصنون ضد الحريم؟


في كتاب هل أنتم محصنون ضد الحريم؟ توجه فاطمة المرنيسي نقدها إلى وضعية المرأة في المجتمع الغربي وتشير إلى واقع الاستلاب والعبودية المقنعة التي يسوّق لها إعلامياً وينظر إلى المرأة بوصفها دمية أو عارضة أزياء. 


تحاول من خلال هذا الكتاب إبراز التصورات التي رسمتها وكرستها المخيلة الغربية لنساء الشرق، وأصبحت نسقًا سيطر على كافة الأعمال الأدبيّة والفنيّة على اختلافها؛ كالرسم والباليه والسينما، انطلاقاً من مصطلح الحريم وصورته الذهنية كمكان متخيّل، مليء بالإثارة والسّحر والرغبات الدفينة، التي تصور المرأة كمحظية مستسلمة Odalisque وهو ما نراه في أعمال جان دومنييك آنجر ودولاكروا وصولاً إلى هنري ماتيس وبابلو بيكاسو وهو ما جعل الغربي يقع أثيرًا لهذا السّحر، ويسعى خلف أسطورة الشرق الغامض الشبق الغير عاقل الكسول الذي يستحق أن يُستعمَّر وأن يُضبَّط و توصّلتْ المرنيسي إلى مجموعة من الأفكار المتميّزة، منها:


- توضيحَ مفهوم الحريم، وتصحيحَ التأويل الخاطئ له.


- أنّ الارتباط العضويّ بين الغزو العسكريّ وعبوديّة النساء شكّل ثابتًا بالنسبة إلى كلّ ثقافات الحريم: اليونانيّة، والرومانيّة، والإسلاميّة ـ التركيّة.


- لم يرتبط الحريمُ بمجيء الإسلام، بل تأتّى مع ثقافات سابقة عنه، كالمنظومة الاجتماعيّة الرومانيّة واليونانيّة.


- استمرار الحلم بالحريم يسيطر على الإنسان الغربيّ كذلك، رغم ثوراته الاجتماعيّة الكبيرة. لكن واقعه السوسيوثقافي يحُول بقوة بينه وبين انعكاس هذا الهوس واقعيا فيستعيده عبر الفن ولكن ما هو مفهوم الحريم؟


فتسمية الحريم مشتقة من الحَرام والحُرم وهو مفهوم مكاني جوهره وجود الإماء المتفرغات لمتعة السيد الجنسية ينقسم فيه الفضاء الاجتماعي إلى قسمين منفصلين: داخلي أنثوي شديد الاختباء والخصوصية محرّم على الرجال ماعدا السيد الأوحد، وخارجي محرّم على النساء ومفتوح للرجال فقط.


وهذا التقسيم موجود في كل الحضارات التي بنت ثروتها على الاسترقاق عبر الفتوحات العسكرية واغتصاب أملاك الجيران، والنساء جزء منها، ويختلف شكل نظام الحريم حسب الفترة التاريخية والشعوب فالنساء عند اليونان -قبل الإسلام بأحد عشر قرنا- كُنّ لا يُفارقن الخِدر ويحرسهن الخصيان وابن الأَمَة من السيد يظل عبداً، وأضاف الرومان على تلك التقاليد فقط السماح للنساء بمرافقة رجالهن إلى الحفلات العامة...


بينما كان الأمويون يحررون أولاد الإماء دون أن يسمحوا باستخلافهم، ومنح العباسيون أبناء الخليفة الذكور الفرص المتكافئة في اعتلاء عرش الخلافة مهما كان وضع أمهاتهم ونشأت من ذلك حضارة إسلامية عالمية من شعوب مختلفة ومتنافسة، خسر العرب فيها السيطرة الثقافية لصالح الفرس والسيطرة العسكرية لصالح الأتراك ... وأقاموا حريمهم الخاص محاكاة لما كان موجودا في بيزنطة التي تحولت الى إسطنبول (نور الإسلام) وأصبح الشرق عنصرا بارزا في الحضارة الأوربية.


يعتبر الموقف من الجنس أحد الخلافات الأساسية بين الإسلام والمسيحية، وهو أحد مفاتيح اللغز الذي يفسر انبهار الغرب بالحريم، فأحد الامتيازات العظيمة للمسلم "هي حقه في المتعة" بينما تحض المسيحية "على تفادي اللذة حتى في إطار الزواج" ورغم ذلك لا أحد من الرجال في ضفتي المتوسط ينجو من الإصابة بفيروس الحريم أي "رغبة الرجل في شريكة سلبية دائمة الخضوع والصمت"، "تخدمه كجارية " وأعراضه الاستيهام أي الحلم بالحريم وهو ليس فتاكا جسديا كالسيدا ولكنه يحرم المصاب به من السعادة، يجبر الغربيون المصابون به "على الارتحال إلى الشرق للاستمتاع لأن المسيحية تحرم عليهم المتعة" "ويرتحل الشرقيون المصابون به إلى ماضيهم طوعاً للتماهي مع هارون الرشيد" الذي جمع في شخصه مثلث "السلطة والثروة والمتعة". 


رسم فنانو الغرب المحظيات لأن ما ألهب مخيلتهم حريم السلاطين العثمانيين الذين بسطوا سيطرتهم على قسم كبير من أوروبا وأرهبوا عواصمها حتى أوائل القرن العشرين وليس حريم الخليفة هارون الرشيد وكان هذا الاستيهام -لدى الغربيين- يشبع الرغبة بالانعتاق من قيود الزواج الأحادي المسيحي بمحرماته الجنسية ومشاكله العاطفية كما تجلّى في لوحة «المحظية الكبرى» 1814 للفنان الفرنسي «جان دومينيك آنجر»، ثم لوحته الأكثر شهرة «الحمّام التركي» 1863 التي تصور حشدا هائلا من النساء العاريات، كقطيع بسوق النّخاسة ينتظرن أن يقدَّمن المتعة للسيد الذكر، وقد وصفت اللوحة بأنّها «تمجيد للجسد الأنثوي الطاغي الحضور».


تشكل اللوحة - حسب المرنيسي - انتهاكا صارخا لنظام الحريم الشرقي التي تبرز فيه المرأة في العصر العباسي مثلا "كمخطِّطة قوية الشكيمة تسعى لانتزاع السلطة من الأسياد، وتبلغ في فن المكيدة مبلغًا لا تزال تعجب له النساء العصريات اللواتي يواجهن صعوبة في اقتحام حصون السلطة السياسية" ومناقض لدور المرأة عند الأتراك الذين هم نسويين أكثر من العرب و"كانت أمهات الملوك الذين لم يبلغوا سن الخلافة يتسلمن الوصاية على العرش وزوجات الملوك يتسلمن مقاليد الحكم حتى انتخاب خان جديد".

اعلان 1
اعلان 2

0 التعليقات :

إرسال تعليق

عربي باي